مشاهدات الكاتب لحسن لعسيبي في رحلته إلى كندا: جامعة ماك غيل أرقى جامعات البلد
يقوم الكاتب و الصحفي لحسن لعسيبي برحلة إلى كندا، و يتقسام مع جمهور قرائه مجموع مشاهداته في هذا البلد مسكونا كمثقف بشغف الاستكشاف و السؤال، و محملا بهاجس المقارنة الثقافية و الحضارية، التي تمنح لهذه الرحلة عمقا فكريا . و فيما يلي حصيلة عن زيارته لجامعة ماك غيل بمونريال.
“ما يهم في جامعة ماك غيل، ليس فقط مكانتها العلمية الرفيعة عالميا (الأولى في كندا و 27 عالميا)، ولا أن من طلبتها 12 حاصل على جائزة نوبل في مختلف العلوم، و 3 رواد فضاء، و 3 رؤساء وزراء كنديين، و 17 قاضيا بلغوا المحكمة العليا بكندا، و 3 صحفيين حازوا جائزة بوليتزر الدولية، و 28 فائز بميدالية ذهبية أولمبية…
ما يهم فيها، أن سبب وجودها أصلا راجع ليس الى قرار سياسي تدبيري للدولة الكندية، بل الى مبادرة مواطن كندي كان من كبار أغنياء البلد، قام بتحبيس أراضي شاسعة ممتدة على مدى البصر جنوب مرتفع المونت روايال بمدينة مونتريال، لإقامة فضاء للبحث العلمي الجامعي سنة 1821، هو رجل الأعمال جيمس ماك غيل. وأنه أكثر من ذلك، قد قام بتحبيس جزء من ثروته لفائدة تطوير الجامعة وتسييرها، وبناء كلياتها ومقار سكنى أساتذتها وطلبتها(رسوم التسجيل الخاصة بالطلبة المحليين لا تساوي شيئا إلى اليوم، في مقابل ارتفاع كبير لرسوم التسجيل الخاصة بالطلبة الأجانب من خارج كندا(.
الجميل، هو أنه على مدى القرن العشرين، تنافس عدد كبير من رجال الأعمال الكنديين، في تحبيس جزء من ثرواتهم الطائلة لفائدة الجامعة(التي تعتبر عمليا واحدة من أربع جامعات كبرى بمونتريال وحدها). مما يعني أن من شجع البحث العلمي العالي في هذه البلاد هو الرأسمال الوطني، في تناغم مع مشاريع الدولة التدريسية. وأن ذلك التشجيع لم يكن قط بغاية ربحية مالية، بل بغاية تطوير الكفاءة البشرية الكندية التي تحتاجها الصناعة المحلية لذلك الرأسمال في نهاية المطاف. إنه الإستثمار الذكي في الإنسان بغاية ربح المستقبل الوطني للاقتصاد الكندي.
تعتبر اليوم جامعة ماك غيل(تختصر نطقا هنا ب “ميغيل”)، منذ سنة 2002، من أكثر الجامعات في العالم نشرا للبحوث العلمية الجديدة في تنافس مع جامعة الدفاع التكنولوجي الصينية، هي التي منحت أول دكتوراه في الطب والجراحة سنة 1833. وتعتبر اليوم عضوا بارزا ضمن مجموعة 21 جامعة بالعالم للتعاون والتنسيق في البحث العلمي. وتصدر بها جريدتان واحدة للأساتذة الباحثين والثانية للطلبة(إلى جانب مجموعة مجلات بحوث متخصصة ومصنفة أكاديميا(.
من أشهر خريجيها الوزير الأول الكندي الحالي جوستين ترودو، وقبله بسنوات مستشار الأمن القومي الأميركي زبيغينو بريجينسكي (على عهد الرئيس الأمريكي جيمي كارتر). ووجدت ضمن قائمة خريجيها، المعلنة ضمن خانة المشاهير على موقعها الإلكتروني، طالبة مغربية من الرباط إسمها بثينة الفكاك، حصلت فيها على الاجازة في الفلسفة، وامتهنت المسرح بعد ذلك بالمسرح الجامعي لمونتريال قبل أن تستقر بباريس كممثلة ومخرجة مسرحية.
عدد الطلبة المغاربة بها اليوم غير معروف، وما هو مؤكد أنهم قلة بسبب ارتفاع تكاليف الدراسة بها، في مقابل تواجد وازن كبير للطلبة العرب من دول الخليج (خاصة السعودية والكويت)، ومن ضمن المنظمات الطلابية المصنفة بها هناك “جمعية الطلبة المسلمين”، التي اغلب مسؤوليها من الطلبة السعوديين.
تجدر الإشارة، أخيرا، أنه إلى حدود 1945، مع نهاية الحرب العالمية الثانية، كان ممنوعا على اليهود لا الدراسة ولا التدريس بجامعة ماك غيل. السبب راجع للموقف الثقافي الكنسي المؤطر لمؤسسي الجامعة.
مثلما تجدر الإشارة إلى أنها ظلت دوما جامعة انغلوفونية، تتم الدراسة فيها باللغة الإنجليزية، في قلب إقليم كيبيك الفرانكوفوني بكندا. وهي تضم ملاعب مستقلة خاصة بها لمختلف الرياضات من كرة القدم وكرة السلة والسباحة والتنس وألعاب القوى وغيرها. بل أكثر من ذلك فإن رياضة كرة القدم الأمريكية ولدت بجامعة ماك غيل وبها اكتسبت قوانينها التي بقيت سارية إلى اليوم.”