هذا اسمي يسرد تفاصيله.. سيرة فاطمة تزوت(الحلقة التاسعة:الانخراط الشعبي في مواجهة المستعمر )
فاطمة تزوت/ كاتبة و مناضلة يسارية
توسعت بوادر التطوع لمقاومة المستعمر الفرنسي عبر أحياء الدار البيضاء من الحي المحمدي،درب السلطان،درب الفقراء،كريان كلوطي، حتى اكتسحت سائر المعمور بدرجات متفاوتة.
توطدت العلاقة بين سكان المبنى، فتصدّروا حركة لخلق لجان على مستوى الحي انخرطت فيها النساء بشكل ملحوظ كحمل المناشير من مكان لآخر و رسائل شفوية يتم تشفيرها بعد إيصالها، فلا يفهمها إلا ذلك العنصر الذي ترسل إليه لا غير. وهكذا كانت أعمال خدمات النساء مكملة لما يقوم به ذكور المبنى.
اكتشف محمد ما يملكه السيد كوبيال من قدرة خارقة في صنع أنواع المتفجرات بدقة متناهية،لاسيما وأنه هو شخصيا من كان يجلب له المواد القابلة للانفجار، بحيث كان يبذل جهدا جهيدا في سبيل اقتنائها من عدة أحياء متباعدة،حتى لا يثير الشكوك حولها، وحتى يتمكن من جمع الكميات اللازمة لصنع المواد المتفجرة التي ترسل إلى الفدائيين عبر أشخاص معينين،وبطرق محكمة ودقيقة؛ وكثيرا ما يتم نقلها من طرف النساء، حيث يضعْنها في سلَال مملوءة بالخُضرً أو البضائع المنزلية، ويقمن بتوزيعها حسب خطة يراعى فيها بدقة متناهية الزمان والمكان. انخرط محمد بكل قوة وعزم في المقاومة، وقد أحس أن هذا الانخراط في الدفاع عن الوطن والأرض قد أحيا بداخله شيئا من ماضيه غير البعيد، كعشقِه للْأرض وتربتها وحبه للناس وخدمتهم باستماتة ونفس راضية. مع فارق بسيط،فهناك في أرض النشأة وفي قبيلة إورِيكن مساحات جغرافية صغيرة وناس يمكن عدهم على رؤوس الأصابع لقلتهم، أما هنا فالأمر يختلف كليا، هنا وطن كبير وكرامة تداس، وحرية تغتصب، و خيرات بلاد تنهب من طرف مستعمر دخيل. هذا ما اقتنع به محمد وهو يجالس جاره، أو بالأحرى من أضحى رفيقه وموجهه في النضال وفي معركة التحرير.
كان لانخراط محمد في العمل التطوعي للدفاع عن الوطن أثر عظيم على نفسيته، وعلى قوة شخصيته،ولهذا صار أشد صلابة وحماسة، وهو يقوم بالأعمال التي يتم تكليفه بها،كما لو كان تيس جبل لا تقهره الصخور والمنعرجات والأشجار السامقة، فلا يملّ ولا يكلّ، أما الخوف فلم يعد يعرف لقلبه طريقاً. كما استطاع محمد بما يتحلى به من صفات حميدة أن يؤلف بين قلوب قاطني الطابقين معا، إلى الحد الذي شعروا فيه بأنهم يشكلون أسرة واحدة، لا فرق بين أفرادها، حيث يجتمعون على مائدة الطعام، ويتقاسمون فيما بينهم الأفراح والأتراح، الآمال والآلام، المباهج والهموم. وقد عثر محمد في هذا التفاعل الأسري على طمأنينة مفعمة بالرضا، وسكينة خاصة أنسته وأسرته بؤس المكان، لاسيما وأنه من عاش طفولته في حضن الطبيعة،حيث الهواء الطلق وخرير المياه العذبة المنسابة في منتهى السخاء.