محنة النشر و خبث لجن القراءة
حسن لأوزال/ مفكر مغربي
محنة النشر و خبث لجن القراءة ظاهرة لا تخص العرب فحسب بل تطال أيضا الغربيين بدورهم الذين مافتئوا يعانون في صمت:
في تمهيده بعنوان “أبدية الحياة اليومية” الذي أفرده” راول فانينجام” للطبعة الثانية من كتابه “بحث في فن العيش المرصود للأجيال الشابة”يبدي الرجل نوعا من الحسرة على إثر سوء تعامل الناشرين معه قائلا :”لقد بعثته إلى ثلاثة عشر دار نشر و رفض ثلاثة عشر مرة…و كانت دار غاليمار من بين دور النشر التي نحَّتْه جانبا موضحة بأن رايمون كينو و لويس روني دي فوري هما الوحيدان اللذان دافعا عنه من ضمن أعضاء لجنة القراءة”.
و في هذا السياق إذن جاءت الرسالة التي بعثتها سكرتارية دار غاليمار إلى “راول فانينجام” لتؤكد له فيها على أن :”السيد غاليمار في تردد دائم من أمره و تحدوه الرغبة الجامحة لمعرفة من أنتم و كم هو سنكم و ماهي مشاريعكم كما يطلب منكم أيضا أن تحيطوه علما بالأجواء التي كتبتم فيها هذا المؤلف الذي ينطوي عنوانه على رعب كبير “. و لامحيد لنا هنا أن نثير الانتباه إلى مسألتين في غاية الأهمية بمكان ، لعبتا دورا حاسما في تقرير مصير هذا الكتاب ،أوّلهما الرد الذي لمّح فيه راول لغاليمار بانتماءه إلى تيار الأممية الوضعانية و ثانيهما صدف الأقدار التي شاءت أن يتوصل فانينجام بخبر الرفض في اليوم نفسه الذي خصصت فيه “لوفيغارو ليتيرير” مقالا لحركة أمستردام تعرب فيه من جهتها عن تبنيها لمواقف الحركة الوضعانية .هكذا و انسجاما مع هذه الوقائع وجد “كينو” نفسه مرغما على بعث برقية مستعجلة لراول يطلب منه فيها أن يرسل إليه الكتاب من جديد ؛لكن هذا الأخير لم يستجب إلا بعد أن أجرى سلسلة من التعديلات التي همّت بالأساس فقرة المجالس العمالية le consiellisme؛ ليرى الكتاب النور أخيرا يوم 30نونبر 1967 أي في السنة ذاتها التي ظهرت فيها سلسلة من المؤلفات التي بصمت المرحلة نذكر منها على سبيل الذكر لا الحصر :الجزء الملعون لباطاي و الغراماتولوجيا لديريدا و السادو-مازوشية لدولوز و مدخل للميتافزيقا لهيدجر و السوي و المرضي لكانغلهيم.