الرأي

محمد الأشعري.. عندما يستعيد المثقف بعض أدواره

ابتعد عن لغة الخشب وقدم رؤية تنطلق من انتقاد صريح لنهج الدولة في تدبير الشأن العام

 

عبد الإله إصباح

أجرى الشاعر والروائي و وزير الثقافة سايقا محمد الأشعري مقابلة مطولة مع منصة ” صوت المغرب”،تطرق فيها إلى مجموعة من القضايا المرتبطة بالوضع الراهن سواء على المستوى الوطني أو على المستوى الإقليمي والدولي. وقد عرف كيف يتخد مسافة معقولة من مواقف السلطة في الجوانب المتعلقة بالتطبيع ووضع الحريات بالمغرب  والتوافق والمسألة الديمقراطية وعلاقة الدولة بالأحزاب السياسية. تميز حديثه في المقابلة بهدوء واصح مكنه من صياغة أجوبة دقيقة لا غموض فيها وغير قابلة لتأويلات متعددة، ابتعد عن لغة الخشب وقدم رؤية تنطلق من انتقاد صريح لنهج الدولة في تدبير الشأن العام.

استطاع أن يكون مخلصا لضميره كمثقف، يعرف أن صفته تلك تحتم عليه أن ينحاز للحقيقة

عندما سئل عن فلسطين وغزة اعتبر استمرار التطبيع في الوقت الراهن خطأ، وأن الدولة تملك الأن ورقة ضغط يمكن أن تستخدمها في مساندة فلسطين و رفض تحميل الجزائر مسؤ.ولية تطبيع المغرب مع الكيان الصهيوني.

أكد أن التوافق لا يمكن أن يستمر إلى ما لا نهاية، وينبغي الانتقال إلى تدبير مؤسساتي يرتكز على الديمقراطية، لأننا في المغرب جربنا كل شيء إلا الديمقراطية الحقيقية المستندة إلى أحزاب حقيقية وانتخابات ذات مصداقية، فالمواطنون يعزفون عن المشاركة ليقينهم أن الأوضاع ستستمر كما هي سواء شاركوا أو لم يشاركوا. على الدولة أن تترك المجتمع يعبر عن نفسه بحرية وأن تبتعد ‘ن الشأن الحزبي  وتكف عن الإشراف على تأسيس أحزاب مرتبطة بها.

ما وقع في الريف يجب وضع حد له لآن الناس خرجت واحتجت على اوضاع وطالبت بتحسينها ولم تخرب او ترتكب جرائم. اعتقال الصحفيين غير مقبول  ويعيدنا إلى الماضي ، يعيدنا إلى ما قبل تجربة الانصاف والمصالحة. قد يكون للدولة منظور للجرية يعتبرها مخاطرة وأنها قد تؤدي إلى فقد السيطرة والتحكم، ولكن في الحقيقة المخاطرة الكبيرة هي الاستبداد.

هذه باختصار مجمل الأراء والمواقف التي عبر عنها محمد الأشعري، وهي تبرز أنه استطاع أن يكون مخلصا لضميره كمثقف، يعرف أن صفته تلك تحتم عليه أن ينحاز للحقيقة و يصف الواقع كماهو لا أن يجمله أو يبرره. اعترف بالأحطاء التي ارتكبها حزبه في منعطفات حاسمة خاصة مشاركته في حكومة عباس الفاسي. وبخصوص إعفاء الاستاذ عبد الرحمان اليوسفي سنة 2002 رغم أن الحزب حصل على المرتبة الأولى أشار الأشعري إلى أن أغلبية تدخلات أعضاء اللجنة المركزية كانت تتجه إلى عدم المشاركة في حكومة جطو غير أنها لم تتخذ قرارا بذلك و فوضت الأمر للمكتب السياسي الذي قرر المشاركة ولم يبد الأستاذ اليوسفي أي اعتراض ولو كان له رأي مخالف لكان استطاع أن يفرضه نظرا لوزنه و مكانته.

ومع ذلك، ورغم التقدير الواجب لهذه المواقف، فإن ما يؤخد على الأشعري كمثقف بارز، أنه لم يعبر عن مثل هذه المواقف عندما كان في موقع التدبير الحكومي للشأن العام. كانت هناك تجاوزات وانتهاكات لحرية التعبير بمنع مجموعة من الصحف، ولم نسمع له رايا معارضا لهذا الإجراء، بل كان هناك خرقا   للمنهجية الديمقراطية بإعفاء اليوسفي وتعيين ادريس جطو كوزير أول، كما جاء في البلاغ الشهير الذي ساهم في تحريره الأشعري نفسه، ومع ذلك لم يتخذ الموقف الصحيح في إبانه، وفضل المشاركة في تلك الحكومة التي جاءت ضدا على المنهجية الديمقراطية. لو كان انسحب من المشاركة لكان لمواقفه اليوم زخما من المصداقية  أكبر وأكثر.

 ومهما يكن، فما يحسب للأشعري الآن أنه لم يساير الموجة السائدة لدى مجموعة من النخب التي إما تزكي و تطبل أو تصمت تماما حوفا أو طمعا في ريع أو منصب محتمل في المستقبل، هو على الأقل قام بنوع من النقذ الذاتي لمساره وحاول تقديم مداحل تسعف في تجاوز الوضع القائم والخروج من نفق الأزمة المستفحلة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى