الحوار

سيري هوسفدث: التقليل من عمل المرأة متجذر بشكل عميق في نفوس الناس وسلاحي في ذلك هو الضحك

"المرأة مهددة لوضع الذكور"

لوسات أنفو؛

حاورها: إلياس أبوالرجاء وعادل ايت واعزيز 

-الجزء الأول

هي كالفراشة تنتقل من زهرة لأخرى، لا تستوقفها دقات الساعة، جادة في كلامها ومزاحها وضحكاتها، التي تنقلها سريعا للآخرين، كما أنها جادة حين تظل أكثر من أربع ساعات في القراءة، وإذا كان الفضول مستمرا، فإنها تقضي اليوم كله مع الورق والقلم. سيري هوسفدث، كاتبة ومفكرة ومحاضرة نسوية أمريكية ولدت سنة 1955م، بأمريكا. تبحث دائما عن التعدد، وأقامت خيطا ناظما بين مختلف العلوم والتخصصات، من علم الأعصاب وعلم النفس إلى علم الوراثة والأجنة، وصولا للعلوم الإنسانية، وأصبحت تنشر بحوثا أكاديمية و أوراق علمية ومقالات كثيفة فيها. وبما أن هذا كله لم يكن يغريها، خلقت جسورا أخرى نحو الأدب والشعر، فألفت فيه؛ القراءة لك سنة 1982، وفي الأعمال الخيالية؛ الغمامة 1992، سحر ليلي 1996، ما أحببت 2003، أحزان أمريكي2008، الصيف بدون رجال 2011، العالم المحترق، 2014، ذكريات المستقبل2019. وفي غير الخيالية، ألفت؛ يوندر 1998، أسرار المستطيل2005، التماس لإيروس2005، المرأة المهتزة 2009، العيش والتفكير والنظر2012.
تعمل الآن كمحاضرة للطب النفسي بكلية كورنيل ويل بميدنة نيويورك، وحصلت على جوائز دولية في الفكر والعلوم الإنسانية كجائزة غابارون، وعلى الدكتوراه الفخرية من جامعة أوسلو وأخرى من جامعة ستاندال بفرنسا سنة 2015، وهي زوجة الروائي الذائع السيت ، بول أوستر منذ سنة 1982، لتكون حياتهما ، حياة كاتب وكاتبة، أوستر سيري أو إن شئنا نقول سيري أوستر.

س: في إحدى حواراتك السابقة أشرت إلى أن كتابة الأعمال الخيالية بمثابة بحث عن الحقيقة، وأنه عندما تكتب عملا خياليا فأنت لا تكتب من نفسك، بل تتخذ شخصية أخرى لذلك. ما الذي يمنحه لك كتابة عمل خيالي مقابل كتابة سيرة ذاتية مثلا؟

كتابة الأعمال الخيالية بمثابة بحث عن الحقيقة العاطفية، وليس بحثا عن حقيقة موثقة أو مطلقة. وأعني بالحقيقة العاطفية – الموضوع الذي تطرقت إليه في العديد من المقالات- أن الفنان أو الفنانة يبدعان قصصًا ترن باطنيا فيهما، كشعور عميق وشغف ملح. هذا الأمر لايقتصر على الفن وحده، بل يشمل كل الأعمال الإبداعية. طالما عبر اينشتاين أن عمله الحقيقي، جهد بصري وعاطفي، يترجمه لاحقا لأفكار ودلالات لغوية أو رياضية. الكاتب دائمًا يكتب من ذاته. ولكن كتابة الخيال هي فعل يجعل المبدع يصبح شخصًا آخر أو أشخاصًا آخرين، إننا جميعًا في نهاية المطاف مسكن للآخرين، في الذاكرة والخيال، نتشكل بفضلهم، أقصد الآباء والأشقاء والأصدقاء والأطفال، ولكن أيضًا بفضل الشخصيات الخيالية في الأدب وأفكار الفلاسفة والشعراء. بينما كتابة السيرة الذاتية تنطوي على تعاقد مع القارئ، حيث لا يجب على المؤلف أن يخترع وقائع من تلقاء نفسه. أما كتابة الخيال فهي أقرب لتذكر ما لم يحدث أبدا.

س: نجد مدينة نيويورك حاضرة في أعمالكما أنت وزوجك بول أوستر، بأماكنها وشوارعها وسكانها. ما الذي تعنيه لكما هذه المدينة؟

• لن أتحدث نيابة عن زوجي. لقد عشت في مدينة نيويورك لأكثر من أربعين عامًا. أحب هذه المدينة المتنوعة والمتغيرة باستمرار، وقد دخلت أعمالي ككائن حي في حد ذاته، كحيوان اجتماعي، وليس فقط كخلفية للقصة.

س: سيري أنت حاصلة على بكالوريوس في التاريخ ودكتوراه في الأدب الانجليزي، وتقومين بأبحاث في علم الأعصاب والتحليل النفسي، وتعملين كذلك كمحاضرة في الطب النفسي، هذا بالإضافة إلى كونك كاتبة معروفة. كيف تستطيعين التنقل بين كل هذه المجالات بمرونة؟

• أنا أعتقد أن الفضول المعرفي لا يجب أن يقتصر على تخصص معين. أقرأ لساعات طوال في اليوم، وأتابع إلى أين تقودني هذه القراءة. اهتمامي بعلم الأعصاب والطب النفسي ليس وليد اليوم، بل منذ أن كنت طالبة في الجامعة، قدمت أفكارا في أطروحتي للدكتوراه حول ”الحبسة الكلامية ”Aphasia، وهي فقدان جزئي او كلي للقدرة على التعبير أو فهم اللغة المنطوقة أو المكتوبة، تنجم عن تضرر مناطق الدماغ التي تتحكم في اللغة. وبعدما نشرت كتابا ومجموعة من الأوراق العلمية حول هذه المواضيع المتشابكة، طلب مني تدريس الأطباء النفسيين بكلية الطب وايل كورنيل، الشيء الذي استمتعت به حقا. فالمعرفة تتراكم مع التقدم في السن. أما بالنسبة لتنقلي بين كل هذه المجالات، فإني أرى أن قراءة مختلف التخصصات تخلق مرونة للعقل، لا يمكن تحقيقها من خلال التمسك بموضوع تخصص واحد فقط.

س: أطلقت سنة 2020 قبل الانتخابات الأمريكية موقعا يحمل اسم “كتاب ضد ترامب” وتغير اسم الموقع بعد ذلك إلى “كتاب من أجل العمل الديمقراطي”. كيف ترين عمل الحكومة الأمريكية الحالية بخصوص ما كنت تناضلين من أجله: التمييز العنصري، النساء، الأطفال…؟

• الولايات المتحدة الأمريكية، كغيرها من الأماكن الأخرى في العالم، تشهد نوعا من الاستبداد وتضييقا لنطاق الديمقراطية. الكتاب هم مواطنون كذلك، ومنظمتنا تساعد في إيصال أصواتنا من أجل التغيير الذي نسعى إليه. بعد رحيل ترامب، تلقينا إشارات مطمئنة من إدارة بايدن، لكن التهديد اليميني لازال حاضرا بقوة، فكراهية المرأة والأجانب، والعنصرية، لازالوا قائمين. موقفي هو مقاومة هذه القوى من خلال الحوار، وليس مجرد تكرار لنفس الخطابات المألوفة حول الواقع الاجتماعي لـأن لدينا مايكفي منها.

س: ما تعليقك على الوضع في فرسنا، خاصة مع الأحداث التي تشهدها مؤخرا من احتجاجات عارمة بعد مقتل الشاب نائل على يد شرطي؟

• العنف العنصري للشرطة في كل من فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية، متشابهان إلى حد كبير، وزعم الحكومة الفرنسية بأن ألعاب الفيديو هي المسؤولة عن الغضب الذي تبع مقتل نائل هو أمر سخيف جدا. أما ما تلى هذا الحادث من انتفاضات تسببت في وفاة العشرات، هو نتيجة للتحيز المتأصل لفئة اجتماعية دون أخرى، وهو ما يجب تغييره إذا أردنا تهدئة هذه الاضطرابات.

س: زوجك بول أوستر صرح أنك أول قارئة له وأنه أول قارئ لك. ما الذي يعنيه الزواج من كاتب؟ هل يشكل ذلك مسؤولية مضاعفة ؟

• كلانا كان كاتبا عندما تزوجنا، فأصبحنا قراء لبعضنا البعض، يثق كل واحد منا في تقييم الاخر لكتاباته، فالاحترام المتبادل بيننا، يجعلنا صادقين في تقييمنا للآخر، ولاشيء غير ذلك.

س: رغم الشهرة التي اكتسبتها ككاتبة، والجوائز الكبيرة التي حققتها، إلا أن البعض لا زال يشير إليك كزوجة بول أوستر وليس ككاتبة لها أكثر من 17 إصدارا. كيف تتعاملين مع هذا الأمر كنسوية؟

• أعلم أن الكراهية والتقليل من عمل المرأة متجذر بشكل عميق في نفوس الناس، هذه الكراهية تكون موجهة لأي امرأة لها نوع من السلطة، وتختلف تعابيرها من ثقافة لأخرى، لكنها موجودة قي كل بلد . أما البحث عن أقرب رجل للمرأة وإسناد إنجازاتها إليه وتبخيس عمل المرأة، فهي عادة قديمة جدا وسائدة،لأنها تبدو مهددا لوضع الذكور. سلاحي الأفضل لمواجهة هذا الأمر هو الضحك، لأنه بعد كل شيء، الأمر برمته سخيف.

يتبع…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى