خلدون النبواني: إخفاق مشروع الحداثة العربية له أسباب تتجاوز الخطاب الفكري
لم يعد من الممكن بتصوري الحديث عن "واقع عربي إسلامي''
لوسات أنفو،
حاوره عادل ايت واعزيز و إلياس أبو الرجاء
خلدون النبواني، مفكر وفيلسوف سوري ولد في محافظة السويداء عام 1975، تخرج من جامعة دمشق وواصل مساره الأكاديمي بجامعة السوربون بفرنسا، حصل فيها على الماجستير ثم على درجة الدكتوراه في الفلسفة الأوروبية المعاصرة عام 2013، متخصصا في الفلسفة الغربية المعاصرة، وهو أستاذ محاضر في نفس الجامعة وعضو منتخب في معهدِ العلومِ التشريعية والفلسفية التابع لجامعة السوربون منذ عام 2017. كما يشرف على ماجستير العلاقات الدولية في المدرسة العليا للصحافة في باريس، وألف مجموعة من المؤلفات والنصوص الأدبية والفلسفية باللغة العربية والفرنسية والانجليزية، وهو وجه بارز تستضيفه أبرز القنوات الدولية.
خاض الأكاديمي والباحث خلدون النبواني مغامرات في الترجمة ومن بينها؛ سر الصبر لجوستين غاردر سنة 2008، الفلسفة في زمن الإرهاب: حوارات مع يورغن هابرماس وجاك دريدا Philosophy in a Time of Terror: Dialogues with Jürgen Habermas and Jacques Derrida, في السعادة: رحلة فلسفية Du bonheur : un voyage philosophique لفريدريك لونوار…إلخ. ألف نصوص أدبفلسفية سنة 2018، في بعض مفارقات الحداثة وما بعدها، دراسات فلسفية وفكرية، التباسات الحداثة: هابرماس في مواجهة دريدا L’ambivalence de la modernité : Habermas vis-à-vis de Derrida، الطهطاوي Al-Tahtâwî, le prométhée arabe سنة 2019، ثم هابرماس ما بعد نظرية الفعل التواصلي سنة 2020، و أصدر مؤخرا كتاب ”الغريب” الذي هو مجموعة من النصوص والحوارات التي تفيض بإشكاليات حول تاريخ الفلسفة.
في هذا الحوار، نسافر إلى عالم خلدون النبواني، نكتشف معه علاقته بفكر مجموعة من الفلاسفة وسر علاقته بهم، كما هو مناسبة لإعادة طرح أسئلة الحداثة وما بعدها وعلاقتها بالغرب والشرق، وتفكير في سيرورة التحديث العربية الإسلامية وفي منظومتها الفكرية ومآلاتها.
س؛ كمدخل لهذا الحوار، أصدر المفكر خلدون النبواني مجموعة من المؤلفات والبحوث الأكاديمية، أغلبها يهتم بفكر الفيلسوف الألماني يورغن هابرماس والفرنسي جاك دريدا، كترجمة كتاب الفلسفة في زمن الإرهاب؛ حوارات مع يورغن هابرماس وجاك دريدا، ثم التباسات الحداثة – هابرماس في مواجهة دريدا، و كتاب هابرماس؛ ما بعد نظرية الفعل التواصلي.. ومؤلفات أخرى. مالذي وجده الدكتور خلدون النبواني عند هذين الفيلسوفين؟
بدأت علاقتي البحثية مع هابرماس قبل دريدا بسنوات حيث كان الأول موضوع أطروحتي في الماجستير وقد اشتغلت عليه أيضاً في الدكتوراه رغم إحساسي بالغربة عن أفكاره التي – رغم أهميتها – كانت محافظة وجافة بلا روح من وجهة نظري. في الدكتوراه كان عليّ لأسباب عملية مثل أن أبقى في السوربون ومع نفس الأستاذ المشرف أن أواصل الاشتغال عليه، لكن ولكي أستطيع نفسياً مواصلة العمل أن أَضيف إليه فيلسوف آخر، أختلف معه حول مسألة الحداثة وأتفق معه حول بعض المسائل السياسية التي تتعلق بمستقبل أوروبا، وهو جاك دريدا. على خلاف هابرماس، وجدت نفسي في نصوص دريدا الذي لا يحصره نفسه في التنظير الاجتماعي الإجرائي كما هو الحال عند نظيره الألماني.
س؛ هناك من يقول أن الفكر العربي الحديث بقي يراوح مكانه، لكونه فكرا تاريخيا نصيا ونظريا، جعل من التحديث شعارا وقولا، لا فعلا وممارسة. في نظرك دكتور خلدون هل ساهم المفكرون العرب في تحريك سيرورة الحداثة نحو الإنجاز أم أنه بقي كما كان، عالة على الواقع؟
لا شك أن عدداً كبيراً من المفكرين العرب قد سعوا وساهموا ونظّروا ودعوا للانخراط في الحداثة وسيرورة التحديث، لكن إخفاق مشروع الحداثة العربية له أسباب تتجاوز الخطاب الفكري، وتتعلق أكثر بالسياق التاريخي والشروط الموضوعية للانتقال من التنظير إلى التجسيد أي تحويل الأفكار إلى مؤسسات وقوانين ودساتير وعلاقات وتصورات وتقاليد. نشأت بوادر النهضة العربية مع محمد علي باشا الذي كان يسعى لبناء جيش مصري قوي، فترافق ذلك مع بناء الدولة والتحول نحو الصناعة الحربية وما واكبها من الحاجة إلى الترجمة والطباعة والتعدين، إلخ. فأرسل البعثات وبدأت النهضة الفكرية بشكل موازٍ لطموحه العسكري، لكن تخوف الغرب الأوروبي والعثمانيين من مشروع محمد علي أدى إلى تحطيم مشروعه فأجهضت بالنتيجة بوادر النهضة التي ولدت، وقد عمل الاستعمار لاحقاً على وأد أي محاولة نهوض عربية رغم الخطاب الفكري التنويري العربي الحاضر والمستمر، لكن الواقع كان أقوى من الكلمة. يظل أن أقول أن الفكر العربي النهضوي هو أيضاً كان هجيناً غير راديكالي ولا حاسم ومتردد بين الحداثة والتقاليد السلفية الإسلامية المحافظة.
س؛ لكن، كيف يمكن لنا أن نستدرك الأمر وندفع بالواقع العربي الإسلامي للإسهام الفعال في الجوقة الحضارية التي تتطور بوتائر أصبح من الصعب مجاراتها؟
لا شك أننا بحاجة إلى تغيير البارديغم القديم في التفكير الذي أثبت فشله وصار بحاجة إلى تصور جديد أو باريغم جديد فعال وقادر على الفعل. لم يعد من الممكن بتصوري الحديث عن “واقع عربي إسلامي” هكذا بالجملة يمكن أن يغير ويتغير. لا يمكن الحديث اليوم بشكل عملي بتصوري عن قومية عربية على الطريقة القديمة التي تحدثت عنها مشاريع القومية العربية لوطن عربي واحد موحد أو بعض تنظيرات الفكر الإسلامي التي تنظر إلى الدول “الإسلامية” بوصفها تمثل وحدةً ما. هناك واقع مجزأ وفوارق اقتصادية وثقافية متفاوتة بين هذا البلد “العربي” أو ذاك أو بين هذا الإقليم أو ذاك. هناك تغيرات تفرضها اليوم الثروة الوطنية والحالة الثقافية والاستقرار السياسيّ إلخ. للأسف البلدان العربية التي كانت أقرب إلى المجتمعات المدنية والدول الحديثة، راحت تتراجع فيها الحداثة فكرياً مخلية الساحة لخطابات سلفية تتفشى كالطاعون. ليس هناك ما يبث التفاؤل للأسف في واقع التحديث اليوم في بلدان المغرب العربي، ولا في مصر التي كانت رائدة وقائدة التحديث العربي في نهايات القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين بل حتى منتصفه. ولم تعد سوريا ولبنان والعراق نتيجة الصراعات الطائفية والصراع السياسي في هذه الدول وعليها يسمح بتصور أفق مشرق. في المقابل تسمح اليوم الثروة والتفكير الاستراتيجي لدول الخليج العربي للدخول وبقوة في عملية تحديث مجتمعاتها ومؤسساتها. لطالما كانت دول الخليج تعتبر من قبل غيرها من البلدان “العربية” بوصفها دول تخلف ورجعية ومحافظة، لكن الأمور تختلف الآن. وحديثي لا يتوقف هنا عن الحديث عن التحديث المادي، وإنما عن تحديث قد يستجلب الحداثة الفكرية المدنية. معظم بلدان الخليج راحت – بدوافع اقتصادية – تطور في قوانينها ومؤسساتها، مما جعلها تنفتح على الآخر ويتحرر فيها الخطاب الديني، بل إنها وجدت نفسها في مواجهة مباشرة ضد الفكر السفلي الأصولي. لو كان هناك تفكير استراتيجي خليجي( حتى ولو قادته المصالح الاقتصادية)، لاستثمر الخليج في بقية بلدان العالم المسمى عربي ولكان بإمكان قيام مشروع تحديثي واقعي عربي. الأمر صعب لكن ليس مستحيلاً ولا مستبعداً حتى.
س؛ مثلت أوروبا حالة جديدة في التاريخ الكوني، حالة تَلُفُّ الكرة الأرضية بشكل أو بآخر؛ الرأسمالية، الإستعمار، الإشتراكية، الحضارة العالمية… ما رأيكم في مرجعيات وأسس هذه الحالة ؟
لأوروبا تجربتها الفريدة والناجحة، فالحداثة والتنوير الحديثين تجربتين أوربيتين بامتياز. نشأت الحداثة الأوروبية، وحتى قيم التنوير، ضمن سباق رأسمالي صاعد وبقوة ترافق مع توجهات اقتصادية ليبرالية لم تقف عند حدود أوروبا وصارت، مثل أي فائض قوة، بحاجة إلى التوسع والهيمينة خارج حدودها فتحولت أروبا الليبرالية إلى أوروبا إمبريالية استعمارية. فراحت تقتستم العالم باسم قيمها التي أرادت جعلها كونية. فصار الاستعمار ذو المصالح الاقتصادية والهيمنة الحضارية يتستر بأهداف “نبيلة” مثل نشر قيم الحق والعدالة والمساواة، والحريات الفردية، والديمقراطية الخ. للأسف اختلطت القيم النبيلة الغربية بمصالح الغرب الاقتصادية فنشأت المركزية الأوروبية ثقافياً وفكرياً، والتي ليست إلا شكلاً من أشكال الاستعمار الثقافي.
س؛ كان لجميع رجال عصر النهضة، بدءا من رفاعة الطهطاوي، وصولا إلى ساطع الحصري، ومرورا بخير الدين التونسي، وجمال الدين الأفغاني ومحمد عبده وشبيلي شميل وطه حسين..رؤى ضمنية أو صريحة لأوربا الحديثة، منها ما هو صريح وواعي ومنها ما تبقى في أعماق اللاشعور أو ما تحت الشعور.. أستاذ خلدون، هل يتوقف ويتحدد مستقبلنا بما نستطيع أن نستخلصه من أوروبا؟
منذ الطهطاوي الذي ذهب إماماً للبعثة التي أرسلها محمد عليّ وليس انتهاءً بطه حسين، تراوح التلقي العربي للحداثة الأوروبية بين مشاعر الإعجاب والافتتان والرغبة بالتقليد وبين النفور والخوف على الهوية من الضياع. طبعت هذه الثنائية المتناقضة الخطاب الفكري العربي وهو ما تجلى في الثنئاية الشهيرة الأصالة والمعاصرة أو الحداثة والتقليد الخ. في مواجهة حداثة الغرب المبهرة، انقسم مفكرو العرب بين من يريد الأخذ عن الغرب كل شيء وأن يستنسخ تجربته بالكامل، وبين خطاب سلفي ارتد على هويته وتصلب فيها أكثر من قبل، وطالب بمقاطعة الكفر والإلحاد الذي جاءت به ثقافة الغرب لتغزو الفكر العربي وتبعد المسلم عن دينه وتقاليده وقيمه، الخ. وكان هناك خطاب ثالث طالب بأخذ بعض القيم ومناهج البحث والتفكير وترك بعضها الآخر وهو التوجه الذي سميّ توفيقياً أو تلفيقياً. قناعتي الشخصية أن هذه التوجهات الثلاثة خاطئة وتضع الأنا في مواجهة الآخر على نحو تخارجي عدائي وهي، على اختلافها، لها مرجعية نفسية واحدة: وضع الذات مقابل الآخر والشعور بالنقص تجاهه سواء بالرغبة بأن تكون مثله باستنساخ تجربته أو بالقطيعة معه للخوف الكبير من قدرته على تذويب الهوية. الحل بتصوري هو الخروج من حالة الصراع الهوياتي الثقافي والتعامل مع الإنتاج الفكري الغربي كتراث عالمي يخصنا كما أن تراثنا عالمي يخصهم هم وغيرهم. بهذا المعنى يمكن لنا التعامل مع أفكار أرسطو مثلما، نتعامل مع أفكار الفرابي أو روسو كإرث واحد بريئ من صراع الهويات والقوميات التي لا علاقة للفكر بها لكنها للسياسة.
س؛ نال كتابك التباسات الحداثة، هابرماس في مواجهة دريدا، استقبالا واسعا في أكثر من 35 جامعة غربية، من بينها 18 جامعة أمريكية نذكر منها؛ هارفارد، برينستون، الستانفورد وبيركلي، ثم 8 جامعات فرنسية وأخرى في ألمانيا وبريطانيا وبلجيكا.. لكن ماذا عن الجامعات العربية، ما موقعها؟
كتابي هذا نشرته بالفرنسية أولاً ولم يظهر بالعربية إلا منذ سنة وهو كتاب أكاديمي بحت. البحث العلمي مزدهر في الغرب اليوم والتطور التقني والتكنولوجي ونظم الأرشفة، ومعرفة اللغات الغربية “المهيمنة” سمح بمثل هذا الانتشار للكتاب والاهتمام به في تلك الجامعات. في العالم العربي للأسف الوضع مختلف فكتاب مكتوب بالفرنسية يصعب الاطلاع عليه إلا للطلاب الفرانكوفون. الآن ومنذ صدر بالعربية تمت مراجعته وكتبت عنه أبحاث أكاديمية في المغرب العربي وأنا سعيد جداً بهذا الاهتمام المغربي رغم قلته. ربما مع الوقت يأخذ هذا الكتاب حقه أكثر.
س؛ كيف يمكن لنا أن نفهم الحداثة بوصفها وعيا بالزمن؟
في مواجهة تحنيط المفهوم الغربي للحداثة الذي صار يعني فقط وحصراً تجربة الحداثة الأوروبية المحصورة بجغرافية وتاريخ أوروبا الحديثين، كان لا بد لي من إعادة تعريف الحداثة بوصفها تحديثاُ أي قطيعة مع قديم قائم. وبالتالي تختلف تجارب الحداثة وفقاُ للسياقات التاريخية والاجتماعية والموضوعية القائمة، وليس من الممكن إعادة إنتاج تاريخ أوروبا الحديث لخلق نفس الحداثة في هذا المجتمع أو ذاك في هذا العصر أو غيره. الحداثة مشروع تغيير وجد دائماً في المجتمعات قبل الحداثة الأوروبية وبعدها، لكن المركزية الأوروبية تريد احتكار كل شيء: تاريخ الفلسفة، والعقل، والتنوير، والحداثة، وما بعد الحداثة، الخ. الحداثة إذن بوصفها رغبة وحاجة إلى الانعتاق من قديم مُعطّل، والانطلاق نحو أفق جديد يسمح بالتغيير والتطور والتقدم والانعتاق يضع مفهوم الحداثة بوصفها وعياً بزمنها، يجعلها تدرك حالة التأخر التاريخي التي هي عليه وإمكانيات التحرر من قيود الماضي والحاضر التي تمنع ولادة المستقبل الجديد. هكذا تُصبح الحداثة وعياً بزمانها لا مجرد بضاعة أوروبية مسبقة الصنع مكتوب عليها أنها دائمة الصلاحية في الزمان والمكان، أي كونية. الحداثة الأوروبية مسبقة الصنع هي عائق أمام التحديث خارج أوروبا وهي مطالبة بذلك بالبدأ بالنتائج التي انتهت إليها بدل البدء بالمقدمات الخاصة بكل مجتمع وثقافة وزمن.
س؛ ” الحداثة مشروع لم يكتمل بعد” ما تعليقك على هذا الموقف؟
هذا عنوان خطاب هابرماس الشهير حين استلامه جائزة أدورنو وهو ما بنيت عليه مجموعة دراسات لشرح النظرة المحافظة عند هابرماس. تراجع هابرماس عن الكثير مما قاله في هذا الخطاب لاحقاً والذي حشر فيه الفلاسفة في ثلاث فئات من المحافظين ابتداءً من نيتشه وصولاً إلى ليوتار مروراً بباتاي وفوكو ودريدا وهايدجر، الخ. كان هابرماس يريد مواجهة خطاب ما بعد الحداثة بالتأكيد على أن الحداثة مشروع لم يكتمل بعد. كان يريد التأكيد على قيم الحداثة في مواجهة أفكار فلسفية جديدة وهنا تجلت لي محافظة هابرماس أي رفضه للجديد وللحديث وتمسكه بالحاضر بل والماضي. يريد هابرماس الدفاع والاستمرار والابقاء على أفكار القرن الثامن عشر في مواجهة تطورات جديدة وفكر جديد وهذه هي روح الحداثة: البحث عن الجدة والانعتاق من قيود الماضي. طبعاً هابرماس تجنى في خطابه على كثير من الفلاسفة المعاصرين له لأنهم فكروا خارج صندوق أفكار الحداثة مسبق الصنع.
س؛ لم تنته التظاهرات العمالية في فرنسا الرافضة لإصلاح قانون التقاعد، حتى تلتها احتجاجات أخرى واسعة كانت خلفيتها مقتل الشاب الفرنسي نائل ذو الأصول الجزائرية. في تقديرك أستاذ خلدون إلى أين تتجه فرنسا الآن، وهل سيكون هناك حل للخروج من هذه الأزمة ؟
للأسف الوضع في فرنسا لا يُطمئن وأخشى عليها من الوقوع خلال العقد القادم في السيناريو الإيطالي، أي وصول اليمين المتطرف فيها إلى السّلطة. الشعبوية باقية وتتمدد في أوروبا واليمين المتطرف تتوسع قاعدته الشعبية بما تتضمنه من معادة وكراهية الأجنبي والآخر وبخاصة المهاجرين من أصول مغاربية أو إسلامية. دون معالجة فعلية لأصل المشكلة فإن فرنسا ستظل تدور في حلقة العنف الاجتماعي إلى أن تنفجر الأمور على نحو يصعب السيطرة عليه ما لم تعالج المشكلة من جذورها وتنفتح على المهمشين أبناء الضواحي وتضع قيود على خطاب الكراهية الذي يتفشى في وسائل الإعلام على نحو خطير.
س؛ أصدرت مؤلفا بعنوان؛ نصوص أدبفلسفية، وفي محاولة للتوفيق بين الفلسفة و الأدب، اعتبرهما دريدا أنهما ليسا كحدين متعاكسين أو ثنائيتين ميتافيزيقيتين متقابلتين، كما أن دولوز سبق وأن أقر بأن الفلسفة لا يمكن أن تفهم إلا من خلال غيرها( الأدب، السينما، الشعر، الموسيقى…) هل لك أن تضعنا أمام هذا التقابل أو التقاطع بين حقلين إنسانيين؟
فرادة دريدا أنه لم يتعامل فعلاً مع الأدب والفلسفة كأنهما نوعان متقابلان كما فعل سارتر مثلاً حين كان يقدم أفكاره الفلسفية المجردة في كتابات فلسفية صارمة، ثم يعيد تقديمها على نحو أسهل في الأدب الأكثر انتشاراً. عند سارتر هناك مرايا متقابلة الأدب من جهة والفلسفة من جهة ثانية، عند دريدا الأمر متداخل حداً يصعب الفصل فيه. اعترف أن كتابي هذا كان على طريقة سارتر أي أدبفلسفي مع أن سارتر لم يكن في ذهني حينها. كنت ولا زلت أجده أقرب إلى كتاب شذرات في العشق لرولان بارت أو خواتم لأنسي الحاج. لم أقدم فيه تنظيراً حقيقياً لعلاقة الفلسفة بالأدب بل قدمت نصوصاً ربما هي أقرب إلى الأدب لكنها ذات حمولة فلسفية ما…
س؛ مارأيك في أن نستعيد سؤالا يظل دائما يطرح في الأوساط المثقفة، ما سبب تخلف البلدان العربية الإسلامية وفشل ثوراتها في تحقيق فعلي للديمقراطية؟
سؤال يحتاج إلى شرح كبير وقد حاولت الاجتهاد في الاجابة عنه أكثر من مرة أنصح بالعودة إليها إذ يصعب اختصار الاجابة في بضعة أسطر.
س؛ الفضاء العمومي في البلدان العربية الإسلامية، المتعلق بالصحافة، جد مرتبك، كيف ترى رهان الصحافة والإعلام، ومالذي يمكن أن يحققانه في هذا العالم المتغير؟
يتعلق الموضوع هنا في ثورة في مفهومي “الفضاء العمومي” و “الصحافة” فمع ثورة التكنولوجيا صار لدينا وسائل تواصل اجتماعي، وهي من خلقت ولأول مرة ربما بشكل فعلي فضاءات عمومية عربية. مع التكنولوجيا وفضاء الانترنت لم تقتصر المسافة بين الناس وإنما ألغيت كلياً. لا يمكن كذلك السيطرة الأمنية على سوائل التواصل الاجتماعي وما يكتب عليها فتحرر التعبير والكلام وصار كل شخص قادر على إبداء رأيه إلى حد ما. طبعا لذلك مساوئه أيضاً، لكن شيئاً ما حصل في فضاء التواصل العربي تجلى في ثورات واضطرابات، لكن أيضاً في التعرف على الآخر والانفتاح عليه وسهولة التواصل وبناء العلاقات الخ. ثورة الاتصالات غيرت بشكل كبير من مفهوم الصحافة أيضاً، وطرق نقل الأخبار والاستقصاءات والبحث. لم تعد قراءة الصحف الورقية هي السائدة اليوم بل تدفق هائل للمعلومات الرقمية وسرعة وصول الأخبار من كل حذب وصوب. طبعاً أثر ذلك أيضاً على مصداقية الصحافة عموماً فسادت الأخبار الكاذبة وتزوير الصور والفيديوهات مما خلق تحدٍ جديد أمام صحافة اليوم التي صارت بحاجة إلى إعادة تعريف وبناء منظومة أخلاقية جديدة ربما. فبقدر ما صار هناك سهولة للوصول إلى الأخبار بقدر ما صار هناك حاجة لتنخيل الأخبار وفرزها والتأكد من صحتها في زمن سريع يتطلبه السبق الصحفي الخ.
س؛ أيمكن للدكتور خلدون النبواني، أن يخبرنا إن كان يشتغل على مشروع جديد؟
نعم. هناك مشاريع صغيرة كتابية انتهي منها، لكن هناك مشروعان ملحان أتمنى إنجازهما قبل فوات الأون: سيرة ذاتية، وحوار طويل متخيل مع أفلاطون.