
عبد الرزاق بن شريج، عضو مؤسس لنقابة مفتشي التعليم
شهادة شخصية موثقة حول السياق والأحداث التي أفضت إلى ميلاد نقابة مفتشي التعليم بالمغرب سنة 2003.
الغاية: حفظ الذاكرة النقابية لجهاز التفتيش وتوثيق اللحظات المفصلية في تاريخ نقابته.
السياق العام
بعد دخول الميثاق الوطني للتربية والتكوين حيز التطبيق سنة 2000، شرعت الحكومة في تعديل العديد من النصوص القانونية والإدارية والتنظيمية حتى تنسجم مع فلسفة الميثاق، ولتمكين الأطر الإدارية والتربوية من تنزيل بنوده، وفي سنة 2002 بدأ المفتشون يشعرون بغيابهم الكامل عن جولات التفاوض الجارية بين وزارة التربية الوطنية والنقابات الأكثر تمثيلية، سواء مباشرة مع الوزارة أو مع الحكومة، بخصوص إعداد مرسوم جديد خاص بموظفي وزارة التربية الوطنية، ليعوض المرسوم 2.85.742 الصادر في 4 أكتوبر 1985.
التهميش التام في تمثيلية المفتشين في المكاتب الوطنية للنقابات، جعل قضاياهم خارج أولويات التفاوض، فقبل تأسيس نقابة مفتشي التعليم كان مفتشو التعليم متفرقين بين التنظيمات النقابية، أو كما وصفهم أحد الظرفاء “المفتشون متفرقون بين الفروع المحلية للنقابات أشبه بتوزيع الأكراد بين الدول”.
ورغم وجود ما كان يسمى حينها بـ”اللجن الوطنية للتفتيش” التي تجتمع لصياغة ملفات مطلبية، فإن النقابات المفاوضة لم تكن تعيرها كبير اهتمام، بسبب ضعف تمثيلية المفتشين داخل هياكلها. كما أن اتصالات المفتشين المنتمين للنقابات مع قياداتهم بخصوص مطالبهم لم تثمر أي تجاوب يذكر،
صدمة المرسوم الجديد
عند صدور المرسوم 2.02.854 بمثابة “النظام الأساسي الجديد لموظفي وزارة التربية الوطنية”، تأكدت مخاوف المفتشين بتغييب مطالبهم بشكل واضح ومتعمد، وبدأ ينضج التفكير في خلق نقابة مستقلة خاصة بهم، ويمكن ذكر نموذج للاختلالات الكثيرة التي أتى بها المرسوم الجديد ضد كل الفئات، وخاصة فئة التفتيش حيث يستوجب على المفتش الانتظار أزيد من 20 سنة للترقي من السلم 10 إلى السلم 11 مقابل 10 سنوات كحد أقصى لفئات أخرى؛
كان المفتشون آنذاك ينشطون في جمعيات مهنية غير ذات طابع نقابي (جمعية مفتشي التعليم الابتدائي؛ الجمعية المغربية لمفتشي الثانوي؛ الجمعية المغربية لمفتشي التخطيط والتوجيه التربوي؛ الجمعية المغربية لمفتشي المصالح المادية والمالية)، ولم يكن لدى هذه الجمعيات التنسيق والتكامل النضالي الكافي للضغط لتغيير هذا الواقع، كانت الجمعيات همها الأوحد والوحيد الأنشطة التربوية والمهنية، وبعد الشعور بالصدمة والارتدادات المهنية للنظام الأساسي حينها، حاولت هذه الهيئات المطالبة بحقوق أعضائها، وبرمجت جمعية مفتشي التعليم الابتدائي (التي كنت كاتبها العام الوطني) وقفة احتجاجية وطنية بالرباط تم منعها من طرف السلطة، لقد حوربت الجمعيات من طرف النقابات قبل الحكومة بدعوى أن ليس لها الحق في الاضراب أو الاقتراب مما اعتبرته اختصاصات نقابية صرفة؛
رغم كل الاختلالات التي مست جهاز التفتيش بمشاركة ومبادرة المركزيات النقابية، ورغم محاربتها لجمعياتهم، استمر المفتشون (خاصة المنتمون للنقابات التعليمية) خلال الأشهر الأولى من صدور المرسوم في التواصل مع النقابات علها تتدارك ما يمكن تداركه وتفاديا للمزيد من التشتيت خاصة وأن أقوى مركزية أنداك (الك.د.ش) عرفت انشقاقا في نفس السنة 2003 (انشقت الفيدرالية الديمقراطية للشغل بتاريخ 4- 5- 6 أبريل 2003)، وفضل المفتشون الاستمرار في نفس النقابات التي ينتمون لها رغم الخذلان والتهميش، حيث تم الاتفاق على أن يحاول المفتشون مع المكاتب الوطنية للنقابات التي ينتمون لها من أجل شرح الحيف الذي لحقهم والتهميش الذي تسبب فيه المرسوم الجديد.
ولتوضيح درجة الغبن والصد التي لحقت جهاز التفتيش أسرد واقعتين من بين وقائع استجداء النقابات…
الواقعة الأولى
حاول بعض المفتشين إقناع عضو المكتب الوطني للنقابة الوطنية للتعليم (فدش) رحمه الله بأن أجرة مفتش وأستاذ التعليم الابتدائي متساوية ولهذا يجب على النقابة المطالبة بالرفع منها كما هو طلب الأستاذ بل تم إعطاء المثال الآتي {مفتش التعليم الابتدائي في السلم 10، الرتبة 6 يشتغل في الدار البيضاء، وله 3 أطفال، يتقاضى نفس راتب أستاذ بنفس المواصفات، وأن النقابات تدافع عن الأساتذة وتطالب بالزيادة لهم، بينما لا تدافع عن المفتشين}. كان جوابه: “هذا كلام غير دقيق، المفتش له امتيازات كثيرة”. هذا الموقف تكرر مع نقابيين آخرين في مركزيات مختلفة، ما أظهر بوضوح أن النقابات لم تكن تعرف أو تبحث وتتقصى في معاناة المفتش.
الواقعة الثانية
بحكم عضويتي أنداك في النقابة الوطنية للتعليم (ك.د.ش)، حضرت مؤتمرها الوطني بالدار البيضاء سنة 2003.
ناقشنا – مجموعة من 17 مفتشًا – الوضع النقابي بالمغرب وأهمية احتواء الأزمات ومعالجتها وسبل تدارك الأخطاء مع عضوين من المكتب الوطني، واقترحنا تخصيص حصيص للمفتشين داخل المكتب الوطني، حفاظًا على اللحمة وتفادي المزيد من التشتيت، خاصة أن المفتشين النقابيين كانوا يأملون تدارك خطأ تهميشهم خلال التفاوض على المرسوم.
رغم أن النقاش دام أكثر من ساعة ونصف، لم يقتنع عضويْ المكتب الوطني، بل طلب أحدهم مني شخصيًا الصعود للمنصة وتقديم الطلب أمام المؤتمرين (كانت الجلسة الأولى قد بدأت أشغالها)، وهو ما اعتبرناه غير عملي في تلك الظروف.
نحو الاستقلالية النقابية
أمام هذا الرفض، انسحبنا من المؤتمر، وواصلنا العمل والتواصل مع المفتشين المنتمين للنقابات الأخرى من أجل معرفة درجة اقتناع قياداتهم النقابية بمطالب المفتشين آنذاك. غير أن خيبة الأمل كانت عامة، وأصبح الحل الوحيد هو تأسيس نقابة مستقلة للمفتشات والمفتشين. وهو ما سيتحقق بعد ثلاثة أشهر من التشاور والإعداد المكثفين، حيث التحدي، والصراع مع القوانين والعراقيل الإدارية من أجل ربح الزمن للتمكن من رفع دعوى قضائية ضد الحكومة في شأن المرسوم المشؤوم على المفتشين، ليتم المؤتمر التأسيسي أيام 4 و5 أبريل 2003 بمدينة فاس المناضلة
نلتقي في الحلقة الموالية من أجل بسط تفاصيل التشاور والإعداد لهذا البناء..