توقيع إصدارات موضوعاتية تُرسَخ ثقافة الاعتراف وتُزكي التوجه العلمي لمهرجان الملحون والأغنية الوطنية بمراكش
أنس الملحوني من بين الوجوه الإعلامية التي أسدت خدمات جليلة للثقافة المغربية
أمسية الوفاء تحتفي بالتجربة الإذاعية للإعلامي أنس الملحوني
لحظات مُفعمة بمشاعر دافئة ونبل إنساني صادق.. تلك هي الخطوط العريضة التي ميزت الفقرة التكريمية “أمسية الوفاء” التي نظمها مركز الناقد مساء أمس الجمعة 20 أكتوبر 2023 بقاعة ندوات مدينة اللغات والثقافات بكلية اللغة العربية بمراكش، لتوقيع كتاب “في محراب الأثير” وهو باكورة عمل جماعي يحتفي بالتجربة الإعلامية للأستاذ أنس الملحوني التي امتدت لعقدين من الزمن على أثير إذاعة مراكش.
في كلمة افتتاحية للأستاذ عبد الكبير المناوي رئيس مركز الناقد والمشرف على تنسيق أعمال هذا الكتاب الجماعي الذي صدر بدعم من جمعية الأطلس الكبير وجمعية الشيخ الجيلالي امثيرد، أشار أن إصدار هذا المؤلف يأتي في سياق الأعمال التوثيقية الاحتفائية التي سطرها مركز الناقد، والرامية إلى إذكاء ثقافة الاعتراف، والتعريف برموز وأعلام الفكر المغربي في مختلف المجالات العلمية والابداعية، إلى جانب برمجة سلسلة من الندوات التي تقارب راهنية قضايا الفكر والثقافة بالمغرب وبالعالم العربي، مضيفا في السياق ذاته أن المُحتفى به الإعلامي أنس الملحوني من بين الوجوه الإعلامية التي أسدت خدمات جليلة للثقافة المغربية والذاكرة الجماعية من خلال عديد برامجه الإذاعية التوثيقية لقضايا التراث والفكر والابداع.
يتناول كتاب “في محراب الأثير” محطات مشرقة من المسار الإعلامي الحافل للمحتفى به، من توقيع الأساتذة والباحثين: محمد الغيداني، عز الدين المعتصم، عبد الكبير الميناوي، محمد بنلحسن، هشام فتح، حميد مسافي، محمد مهدي الصيفي، عبد الله المعاوي، رشيد أمعيلات، محمد بنعدو، عبد العزيز أبايا، أمينة حسيم، محمد زين، عبد الله إمهاه، عبد الإله كليل، ابراهيم صفاء الفيلالي، كما يتضمن متن المُؤلًف شهادات لعدد من الشخصيات المُتهمًمة بالسؤال الثقافي والابداعي: عبد الرفيع جواهري، عبد الحكيم قرمان، عبد الرزاق القاروني، عبد الهادي هبة، بالإضافة إلى قصائد شعرية حبّرها الشعراء: الشيخ أحمد بدناوي، محمد صالح رحيمي، الشيخ رشيد لحكيم وعبد السلام البعليوي، وبموازاة ذلك عرفت أطوار أمسية الوفاء شهادات في حق المحتفى به لثلة من رجال ونساء الثقافة والفكر كمحمد لكنيدري، مليكة العاصمي،عبد الرحمان الملحوني، عبد الكامل دينيا، عبد الفتاح ثقة…
توقف الأساتذة والباحثون المشاركون على المسار الإعلامي الحافل للأستاذ أنس الملحوني، وأهم ما ميزه من سخاء مهني، يمتح من رصيد ثقافي موسوعي، ومعجم لغوي رصين، متوقفين على ماهية برامجه التثقيفية التي ناهزت 39 برنامجا إذاعيا، منها: مجمع القوافي- الحومة القديمة، لمة لحباب، ، في محراب عيون الشعر العربي، راحة الروح، تجليات صوفية، موسيقى الزوايا، روائع عالمية، أغنية وحكاية، فن الموهوب، عالم الموسيقى، إيقاعات ومقامات، فنون، خزانة المشاهير، شيوخ السماع، روحانيات ملحونية، موسيقى المغرب، من التراث الموسيقي الإسلامي، إمتاع ومؤانسة… ساهم من خلالها الأستاذ أنس الملحوني في الرفع من منسوب الوعي، منتصرا في الآن ذاته لقيم أخلاقيات مهنة التنشيط الإذاعي بنبل أهدافه ومراميه.
تخللت الحفل التكريمي الذي أداره باقتدار الإعلامي حسن بنمنصور وصلات موسيقية لفرقة أصيل برئاسة المايسترو عز الدين الدياني، وقراءات شعرية وزجلية، حضر أشغال هذا المحفل الإحتفائي المواكب لفعاليات النسخة الثامنة من مهرجان الملحون والأغنية الوطنية عدد مهم من الباحثين والدارسين وفعاليات جمعوية ثقافية وإعلامية مهتمة بالشأن الثقافي والفني.
باحثون وأكاديميون يؤكدون على ضرورة التناول العلمي لفن الملحون لحفظ الذاكرة الفنية
خلص العديد من الباحثين والدارسين بمراكش على أن التناول العلمي لقضايا فن الملحون أضحى ضرورة لا محيد عنها لربح رهان التوثيق الرصين لهذا الفن الأصيل وللتراث الوطني الشفهي عموما، مؤكدين على ضرورة تثمينه وصيانته لحفظ الذاكرة الجماعية ولصد محاولات السطو عليه من طرف جهات لا تخجل من سرقة تراث الآخرين، وذلك خلال حفل توقيع إصدارين حديثي النشر: “قراءة في القصيدة الدينية الصوفية من خلال روائع مطولات الأديب أحمد سهوم” للأستاذ عبد الرحمان الملحوني، و”حفريات في الشعر الملحون – دراسات في الشعر المغربي العربي الزاجل-” للأستاذ محمد بوعابد” مساء يوم الخميس 19 أكتوبر 2023 بقاعة ندوات مدينة اللغات والثقافات بكلية اللغة العربية بمراكش.
شارك في فعاليات هذا المحفل العلمي الذي يُنظم في إطار فعاليات الدورة الثامنة لمهرجان الملحون والأغنية الوطنية (شارك) ثلة من الباحثين والدارسين الذين ينتمون إلى مجالات بحثية وعلمية متنوعة، تتقاطع فيما بينها على مستوى الدراسات الأدبية والنقدية، والصوفية، التراثية والتاريخية، حيث قارب الأساتذة المشاركون: السعيد بنفرحي، عبد البر حدادي، كمال أوحود، أنوار أصبان، عبد الجليل بدزي وبرئاسة الأستاذ نور الدين الصوفي الدرقاوي (تناولوا) جوانب ظاهرة ومضمرة من الإصدارين المحتفى بهما.
وفي هذا الإطار تناولت الجلسة الأولى التي خصصت لكتاب “قراءة في القصيدة الدينية الصوفية من خلال روائع مطولات الأديب أحمد سهوم” للأستاذ عبد الرحمان الملحوني، تجليات “انعكاس الهم الاجتماعي للأستاذ العلامة الأديب المرحوم أحمد سهوم في مؤلفاته ومنجزه الشعري، معرجين الحديث على تعدد تيمات موضوعاته التي تتوزع بين الإلهيات، مدح الرسول والتعلق بحب آل البيت، الوطنيات، العشاقيات، الرثائيات، التكريمات، كما تم التوقف على مختارات من قصائده الشعرية التي تُمجَد العلم والعلوم كأفق تنويري ونهضوي لتحقيق رقي الأمة، وتجليات مشروعه الإصلاحي الذي يدعو فيه معشر مجايليه من الشعراء إلى النهل من الواقع الاجتماعي، كمرآة عاكسة لأمال المجتمع وألامه، وحمل مشعل تنويره، وخلص الباحثون إلى أن جل أعمال الأديب الراحل أحمد سهوم تنصرف إلى إصلاح المجتمع والرقي به، والانتصار لقيمه الأصيلة وتخليصه من القيم الدخيلة عليه، ونبذ الفكر الخرافي والدعوة إلى أسس التكافل الاجتماعي.
كما تمت الإشارة إلى المكون الصوفي في المتن الشعري للأديب أحمد سهوم وتوسله العديد من المقامات العرفانية في مناجاة الجمال الإلهي والتعلق بحب الرسول صلى الله عليه وسلم وآل البيت الشريف، وتعداده لمناقب الأولياء والصلحاء ودعوته إلى التأسي بسجاياهم وشمائلهم.
واعتبر المتدخلون الكتاب المُحتفى به للأستاذ عبد الرحمان الملحوني إضافة مهمة للأعمال والدراسات التي أنجزت حول شعر الملحون الديني، ومرجعا مهما في مجاله، وفي الأدب الشعبي عموما لأهميته وقيمته العلمية والابداعية، وأن نظير هذه الدراسة وإبداعات شعراء معاصرين كالمرحوم أحمد سهوم من شأنها أن تعزز صمود شعر الملحون في وجه العولمة والمتغيرات المواكبة لها.
أما الجلسة الثانية التي خُصصت لكتاب “حفريات في الشعر الملحون – دراسات في الشعر المغربي العربي الزاجل-” للأستاذ محمد بوعابد فتم التداول فيها حول سؤال الهوية في شعر الملحون، وتطوره في الحضرة المراكشية مستدلين بما جادت به قريحة الأديب الراحل أحمد سهوم:
رباتو (الملحون) لالة البهجة بكياسة ****واصبح بين الفنون يفخر ويفايش
فضل هاذ البلاد ما كيتناسى **** عند ناس الفن من مضى واللي عايش
حياك الله يامدينة مراكش
كما تم تقديم إضاءات حول الاشكاليات المنهجية والموضوعاتية للكتاب، والتي تنتظم وفق خمسة فصول: “الشعر المغربي العربي الملحون”، و”اللغة العربية المغربية..لغة ملحون”، ثم “القصة في أدب الملحون”، و”السرد الشعري بين الحكي والتشخيص -قصة الحراز أنموذجا-“، ف”العجيب والغريب في الشعر الملحون” وما ينطوي عليه من تعبيرات بلاغية ودلالية.
وورد في إحدى المداخلات أن قيمة الكتاب تأتي على ضوء الدعوات التي تكاثرت في السنوات الأخيرة الداعية إلى الاهتمام بالفنون التراثية باعتبارها حاملة لقيم الحضارة المغربية وهويتنا الوطنية، خاصة فن الملحون كأرقى أنواع الزجل المغربي، سيما بعد توالي هجمات السرقة من طرف بعض الجهات التي لا تخجل من السطو على تراث الآخرين.
سعيا إلى تعميم الاستفادة من المداخلات المدرجة في هذا المحفل العلمي أكد المنظمون بجمعية الشيخ الجيلالي امثيرد أنه سيتم إصدار هذه المشاركات في مؤلف جماعي، وسيكون رهن إشارة الباحثين وعموم المهتمين بالملحون والتراث الفني المغربي.