بزارات مراكش: شهوة الرقمنة تغزو الأصالة
بقلم: ولاء عبدون
في قلب المدينة الحمراء، حيث تختلط أزقة المدينة العتيقة بروائح التوابل وأصوات الحرفيين، يقف البازار شاهداً على عراقة التجارة التقليدية المغربية. هذا المكان الذي ظل لعقود محطة للسياح وعشاق الأصالة، يواجه اليوم اختباراً جديداً مع موجة التجارة الإلكترونية التي غيرت ملامح السوق العالمي.
صراع الهوية وجودة المنتج
”نشأت في هذا السوق، وعائلتي تعمل في التجارة هنا منذ عدة عقود. البازار بالنسبة لنا ليس مجرد مكان للبيع، بل هو جزء لا يتجزأ من حياتنا اليومية.”يقول محمد العلوي شاب في الثلاثينات ترعرع وسط ألوان الزرابي الزاهية ورائحة الفخار التي تعبق في أرجاء البازار العائلي، حيث تختلط روائح الجلد والمصنوعات التقليدية. تعلم الفرنسية والإسبانية من خلال الدردشات اليومية مع السياح الذين يتوافدون إلى السوق، ليجد في كل محادثة فرصة لتوسيع آفاقه واكتساب مهارات جديدة.و هو الآن المسؤول عن بزار عائلي متواجد في حي المواسين بمدينة مراكش .لكن رغم جمال المكان، يواجه محمد و غيره من أصحاب البازارات تحديات كبيرة بسبب التجارة الإلكترونية التي أصبحت توفر نفس المنتجات بأسعار أقل و جودة ضعيفة، يقول محمد المشكل “اليوم الناس أصبحوا يفضلون الراحة والشراء من منازلهم دون أن يدركوا الفرق بين الجودة التي نقدمها وما يحصلون عليه عبر المواقع الإلكترونية.”
نغادر بزار العلوي متوجهين نحو سوق الفخاريين حيث نجد يوسف بنصالح او ”با صالح” كما ينادونه أصدقائه في السوق، يعمل في صناعة الفخار بكل شغف و حب وروح النكتة، صفات ليست غريبة عن حرفي تفانى في عمله منذ أزيد من 30 عاما تبدع أيادي ”با صالح” في صناعة تحف فنية تزين معظم بزارات مراكش .و من جهته يصرح هذا الحرفي: “التجارة الإلكترونية تجعل من الصعب على الحرفيين الصغار التنافس. نحن نقدم منتجات فريدة ومصنوعة يدويًا، لكن من خلال التسوق الإلكتروني، تفتقد العملية التجارية للطابع الإنساني. الزبون لا يدقق في المنتج، ويصله أحيانًا تقليد بجودة ضعيفة، بينما نعمل نحن بجد لتقديم منتجات فريدة تعكس الحرفية التقليدية. ويصعب علينا التكيف مع هذا الواقع، لأننا لا نملك الإمكانيات اللوجستيكية والترويجية التي توفرها المنصات الكبرى.”
البازار في مواجهة الرقمنة: بين التمسك بالتقاليد وفتح آفاق جديدة
“كنت مترددًا في البداية، لأنني نشأت في هذا السوق الذي يعتمد على اللقاء المباشر مع الزبون. هنا في البازار، الزبون يشم رائحة السجاد، يلمسه ويشعر بجودته، وهذا لا يمكن تعويضه عبر شاشة الكمبيوتر. لكنني أدركت أنه إذا أردت أن أواكب التغيير، يجب أن أفتح أفقًا جديدة.يصرح عبد العزيز بن عبد الله صاحب بزار في سوق الرحبة القديمة بالمدينة العتيقة بمراكش .يضيف عبد العزيز قائلا ꓽ” التجارة الإلكترونية أصبحت فرصة لزيادة مبيعاتي، وجعلتني أكون قريبًا من أسواق لم أكن أتخيل الوصول إليها. بالطبع، هناك تحديات، مثل الحاجة إلى تصوير المنتجات بطريقة جذابة وأيضًا تطوير مهارات التسويق الإلكتروني.”
وسط بزارت حي السماريين تجد بزار بسيط يسهل التعرف عليه، فهو لايغريك بالأضواء البراقة وكثرة الاتاث لكن له زواره من نوع خاص يعتبرونه مكان سري كونه يعرض تحف فريدة من نوعها لن تجد لها مثيل تنطبق عليه مقولة “في البساطة يكمن الجمال، وفي التفاصيل الصغيرة تصنع الروائع.”بسيط حتى في أدق التفاصيل، حتى طريقة الأداء لايقبل سوى النقد. يستقبلك صاحب البزار حمزة الصقلي بكاس شاي ،تجد نفسك تمسكه دون تردد فرائحته لاتقاوم ، رائحة تدخلك داخل” مغارة علي بابا” و أنت لاتعرف ما الذي جاء بك إلى هذا المكان، هل مفعول سحر الشاي او لباقة حمزة الذي قال“بالنسبة لي، البازار ليس مجرد مكان للبيع، بل هو جزء من هويتي وثقافتي. هنا، في الزحام، حيث تختلط الأصوات وتفوح رائحة الجلد، أعيش اللحظة بكل تفاصيلها. البيع عبر الإنترنت قد يوفر الراحة للزبون، ولكن لا يمكن أن يُجسد روح السوق، حيث يصبح كل منتج حكاية وكل زبون صديقًا. أنا هنا لا أبيع مجرد قطع من الحرف اليدوية، بل أشارك في نقل تاريخ طويل من الحرف والمهن التقليدية. ويضف حمزة :”صحيح أن التكنولوجيا أصبحت حتمية، وقد أضطر للتكيف معها في المستقبل، ولكن لن أسمح لها أن تسرق مني سحر هذه اللحظات التي أعيشها يوميًا في البازار.”
سحر الأصالة وضرورة الرقمنة
ترى ماريّا غونزاليس، سائحة إسبانية تزور مراكش بانتظام، أن البازار يمثل فرصة للتواصل الإنساني العميق. وتقول ماريّا: “أنا أعشق فكرة المساومة في البازار، ليست فقط لشراء المنتج، بل لأنها جزء من تجربة ثقافية مليئة بالمرح والحيوية. في المتاجر الإلكترونية، كل شيء سهل وسريع، لكنه خالٍ من العواطف. البازار يجعلني أشعر أنني جزء من قصة المدينة، لا مجرد زائرة عابرة.” ورغم أن ماريّا تستخدم التكنولوجيا بشكل مكثف في حياتها اليومية، فإنها تؤكد أن البازار سيبقى دائمًا مكانًا يحمل سحره الخاص، بعيدًا عن ضغط العالم الرقمي.
“عندما كنت أعيش في المغرب، كنت أحب زيارة البازار للاستمتاع بأجوائه وتاريخه. لكن حياتي هنا مختلفة، فالجداول المزدحمة تجعلني أفضل التسوق الرقمي، الذي يتيح لي الوصول إلى منتجات متنوعة بضغطة زر.” يقول بدر، شاب مغربي مقيم بالصين،و يضيف بدر:” أصدقائي الصينيين غالبًا ما يعبرون عن إعجابهم بالأثاث المغربي التقليدي الذي يرونه في الصور أو الفيديوهات، مما يدفعني لاقتناء هذه القطع لهم مباشرة عبر المنصات الإلكترونية لتوفير الوقت وتجنب عناء الانتظار، خاصة مع سهولة الشحن الدولي اليوم”. ورغم اعترافه بجمالية البازار وروحه الأصيلة، يجد بدر أن الرقمنة أصبحت ضرورة في حياته اليومية.
بين التجربة الإنسانية وروح الحرفيين، وبين الشاشات البراقة ومنصات التسوق الرقمية، يقف البازار المغربي في مفترق الطرق، حيث يتصارع بين الحفاظ على رونقه وأصالته وسط زخم التغيير وبين تحديات التكنولوجيا التي تفرض قوانين جديدة. هل سيستمر هذا الكنز العتيق في الحفاظ على رونقه وأصالته وسط زخم التغيير؟ أم ستتغلب التكنولوجيا على كل ما هو تقليدي لتفرض قوانينها الجديدة؟