مذكرات

الفنانة الفرنسية أريف نيرسيسيان: جامع الفنا ليست أجمل ما في مراكش

لوسات أنفو

التقينا اريف نيرسيسيان خلال عبورها من مراكش في ربيع سنة 2000 . هي فنانة فرنسية من أصل أرميني . تشكيلية و عازفة على البيانو تعيش بمرسيليا . أقامت معرضها الخامس و العشرين برواق باب دكالة . اسمها ” أريف ” يعني بالأرمينية ضوء الشمس ،لذلك فهي تعتبر أن مراكش ببهائها انعكاسا فعليا لاسمها . أقامت بأحد المنازل العتيقة بحي شعبي بالمدينة . عشقت طيبوبة الناس و تواضعهم و بساطتهم ، فأحست باتحاد صوفي معهم … ننقل للقارئ نص حديثها عن تجربتها في مراكش، الذي أفضت لنا به و وثقناه كما يلي:

“مراكش حالة حب لا نستطيع الافلات من جاذبيتها . جمالها لا يمكن أن يكون إلا مظهرا خارجيا لهذا الحب الذي يختفي وراء التجاعيد التي ترسمها السنون على وجوه السكان . أتيت إليها يحملني شوق كبير لرؤيتها . و بعدما عرضت أعمالي فيها شعرت باتحاد صوفي معها و مع بساطة أهاليها بعمقهم و غناهم الروحيين . كلما مررت أمام أحدهم إلا و يحييني . ودهم المفرط يجعلني أبكي من أجل عزلتي هناك بالشمال .

ألوان الشمس ، الدروب ، الدور القديمة ، سكان المدينة و حمرتها . هذه هي الخيوط التي تنسج منها لوحة مراكش . مخدوع من يعتقد أن ساحة جامع الفنا هي أروع مافي هذه المدينة . إن أي أجنبي نبيه يدرك بسرعة أن هذه الساحة بمظاهرها الغرائبية لا يمكن أن تروق إلا لذوق مسكون بنوستالجيا استشراقية، و لا يمكن أن نمنح لها قيمة إلا بمبرر التاريخ الذي يقف وراءها . أما الآن فكل شيء يوحي بأنه معد على مقاس السياح : مروضو الأفاعي و الثعابين ، الحكواتية ، المغني الشعبي ، بائعو الأعشاب ، أصحاب المطاعم الليلية ، كناوة …كل هذا  ورغم تنوعه، فإنه يظهر كممثل على خشبة يفشل في إخفاء حقيقته تلك .

أكتشف مراكش في كلام سكانها ، في ملامح وجوههم ، و طريقة مشيتهم ، في سلامهم على بعضهم البعض في الطريق ، في لبوسهم و جلوسهم حول المائدة .. لا يمكن أن ترى من خلال الفنادق سوى مراكش وهمية مهيأة من أجل هدف تجاري فقط .

لحسن حظي أنني اقيم في منزل صديقتي ” جنين ” الذي يوجد بحي الزاوية الشعبي الآهل بالسكان . أدهشتني العلاقة التي تجمع نساء الحي . في الصباح عندما أخرج  أجد أمام كل منزل ثلاث نساء أو اربع يتحدثن في حميمية . أراقب حركات أطرافهن و إيماءات و جوههن أثناء الحديث . عندما يلتقين بعضهن يتعانقن بحرارة و يتكلمن دفعة واحدة و في نفس الوقت و بصوت عال .

إنها محنة كبيرة بالنسبة لأجنبية عندما تمر من السوق التقليدي  بالمدينة . فلا أكاد أخطو خطوة إلا و يجذبني أحد الباعة في المحلات التي تعرض منتوجات الصناعة التقليدية ورغم جمال المعروضات إلا أن زيارة محل واحد تكفي عن زيارة  السوق بكامله نظرا لتشابه معروضات هذه المحلات الى حد الملل .

عندما أصعد الى سطح المنزل يداهمني جمال مراكش المكسو بمسحة قدسية نافذة : القباب الخضراء للاضرحة و أوليائها، تحيط بها المنارات العالية للمساجد . و في الفجر و في سكون مطلق ينطلق صوت المؤذنين من صوامع المدينة يخالطه صياح الديكة . إنه مشهد فريد لا أستطيع أن أصف الإحساس الذي يغمرني و أنا أراقبه : رهبة و فرح و و حزن و انتشاء ..

عندما يريد المراكشي أن يحيي صديقه يضع يده اليمنى على قلبه و ينحني برأسه قليلا . لست أدري لماذا لا استطيع أن أتمالك نفسي حينما أشاهد هذه الحركة التي يتحد فيها الحب و التواضع و الإيثار .. هذه بالفعل هي مراكش .. إنها قيمة . “

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى