الرئيس التونسي السابق منصف المرزوقي: قيس سعيد غير قادر على إدارة البلاد، والجيش والأمن ينتظرون إشارة من الشارع للتخلص منه
"كان مكتبي في القصر الجمهوري "ملغما" بأجهزة التنصت، كما أن المكالمات التي كنت أجريها كانت تحت المراقبة"
لوسات أنفو
حاوره: حمزة الضيفي
• في فترة رئاستك لتونس اغتيال شكري بلعيد ومحمد البراهمي. هل استعملت الثورة المضادة الاغتيالات لضرب مسار الانتقال الديمقراطي؟
نعم كانت هناك نية لتدمير التجربة الديمقراطية، وتدميري أنا شخصيا. عندما اغتيل شكري بلعيد كنت في زيارة إلى البرلمان الأوروبي. لقد اختاروا ذلك اليوم بالتحديد كي يقولوا للأوروبيين: إنكم تستقبلون رئيسا غير قادر هو وحكومته على تأمين البلاد. البعض لايزال حتى الآن يحملني مسؤولية الاغتيالات، على الرغم من أني والحكومة هم من تضرر من تلك العمليات.
يجب ألا ننسى أنه في العام نفسه الذي وقعت فيه هذه الاغتيالات تقرر تصفية الربيع العربي في مصر بشكل واضح. وفهمت حينها أن هناك خطة إقليمية لتصفية الربيع العربي، من طرف السعودية والإمارات أساسا لأن هذه الدول متخوفة من سير العملية الديمقراطية، خصوصا تحالف الترويكا القائم بين العلمانيين والإسلاميين. هم يتخوفون من أن يصبح ذلك نموذجا؟ وإعلام التشهير والتزييف لعب دور في ذلك.
• كيف كان الإعلام يتعامل معك؟
كانت هناك بعض “العصابات الإعلامية” تقوم بمهاجمتي والتشهير بي طوال فترة حكمي بقصد إضعافي شعبيا، وأدى ذلك دورا أساسيا في خسارتي انتخابات 2014. لكن لم يكن في الإمكان وضع جزء من “الصحافيين” في السجن ووضع قوانين ردعية، خوفا من حدوث انزلاقات تهدد الحريات وربما المسار الديمقراطي كله. ولست نادما على النهج الذي سلكته، ففي آخر المطاف استوعبت أغلبية الناس أهداف “إعلام” العار.
من جهة أخرى كان مكتبي في القصر الجمهوري “ملغما” بأجهزة التنصت، كما أن المكالمات التي كنت أجريها كانت تحت المراقبة، ما أدى بي إلى تفادي استعمال الهاتف المحمول. ودائما كنت أستعمل حاسوبا غير متصل بالإنترنت للتدوين والكتابة.
• من كانت له المصلحة في التجسس عليك؟
بقايا النظام القديم، وبعض القوى الخارجية التي سعت إلى كبح تجربة التحول الديمقراطي في تونس.
• بالنسبة إلى الوضعية الاقتصادية خلال فترة حكمك كيف تفسر تراجع نسبة النمو؟
خلال فترة حكم “الترويكا” حدث تراجع طبيعي في نسبة النمو، نتيجة للحوادث التي مرت بها البلاد. وما زاد الطين بلة هو كثرة الإضرابات. وفي المناسبة، فإن إضراب “الحوض المنجمي” تسبب في انهيار الإنتاج التونسي من الفوسفات لمصلحة المغرب. على الرغم من ذلك كله، قمنا بإعادة تشغيل الماكينة الاقتصادية عبر حلول الدولة مكان المستثمر الخارجي. أتذكر أن الدولة ضخت مجموعة من الأموال لتنمية الاقتصاد الوطني، وهو ما جعل نسبة النمو تتراوح بين 2 في المائة إلى 3 في المائة. لقد قمنا بتطبيق نظرية المفكر الاقتصادي كينز التي تقر بفائدة تدخل الدولة في الاقتصاد، عبر الأشغال العمومية على سبيل المثال.
بذلت ما في وسعي لإحقاق العدل الاجتماعي، وبدأت أنظر إلى التجربة البرازيلية أنموذجا. وضعنا برنامجا وطنيا لمحاربة الفقر، وتم تجميع عدد من الجمعيات لإنجاح البرنامج، لكن مع الأسف كانت الظروف السياسية قاسية جدا، ولم نتمكن من التقدم بشكل كبير.
الوضع السياسي كان في غاية الصعوبة. في كل يوم من عام 2013 كنت أقول لنفسي هل سأنام في بيتي هذه الليلة أم في القبر؟ ذات مرة تحدث إلي راشد الغنوشي عبر الهاتف، وقال لي إن هناك معلومات تفيد باقتحام القصر الليلة لاغتيالك. فتجهز الجيش لهذا الهجوم المحتمل وتمت إحاطة القصر بالدبابات. أتذكر أنه خلال تلك الليلة كنا في حالة ترقب وتخوف.
معلومة أخرى هو أنني عندما كنت أذهب إلى بيتي في سوسة كان الأمن يقوم بتغيير طريق الموكب مرتين على الأقل لتجنب إمكانية التعرض لهجوم.
• في 22 فبراير 2013 أصبح علي العريض رئيسا للحكومة. هل حدث بينك وبينه نوع من الانسجام خلافا لحمادي الجبالي؟
نعم على عكس الجبالي، تعاملت أنا والعريض على أساس التعاون لا الصراع. إن النظام السياسي التونسي يندرج في سياق الأنظمة المزدوجة التي ليست برلمانية صرفه أو رئاسية خالصة. إذ يقوم على أساس توزيع السلطات بين رئيس الجمهورية والرئيس الحكومة.
في 15 غشت 2013 وقع حادث مفصلي حدد مستقبلك مع حركة النهضة، عندما التقى راشد الغنوشي والباجي قايد السبسي في باريس. هل كان هذا اللقاء بداية الترتيبات للغنوشي والسبسي التي قادت تونس للمرحلة المقبلة؟
نعم، عندما علمت بتوقيت الاجتماع ناديت بعض قادة حركة النهضة لسؤالهم عن موقف الحركة من تحالف الترويكا، فأقسموا لي أن ليس هناك أي تغيير يذكر في مايخص التحالفات، فصدقتهم. لكن مع الأسف لم تتضح لي الصورة إلا في شتنبر 2014 عندما قال راشد الغنوشي إن من الأحسن أن ينتمي رئيس الحكومة إلى حزب أو تيار رئيس الجمهورية، وبالتالي دعا بشكل غير مباشر إلى التصويت لمصلحة الباجي قايد السبسي. وفيما بعد جل قادة حركة النهضة أعلنت دعمها وتصويتها لقايد السبسي.
• هل تعاتب حركة النهضة على تغيير تحالفاتها؟
من حقها أن تعيد النظر في تحالفاتها السياسية فهي حركة مستقلة. لكن الغريب أنها لم تبلغني صراحة قبل الانتخابات بهذا التغيير. كان يمكن أن يضعني قادة الحركة في الصورة، عبر شرح موقفهم القاضي بدعم السبسي والتحالف مع حزبه على أساس معين، لا أن يتم ذلك في سرية.
• ما هو تقييمك لفترة حكمك؟
عملت جاهدا طوال فترة ترؤسي للبلاد على المساهمة في إنشاء المؤسسات وترسيخها، مثل: “الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد” و “الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري” و “هيئة الحقيقة والكرامة”… إلخ. تعتبر تلك المؤسسات الركيزة الأولية للدولة الديمقراطية. لقد قمت بإعداد برامج للحفاظ على الماء والطاقة والبيئة، إضافة إلى برنامج محاربة الفقر.
ظلمت إعلاميا، لكني متأكد من إنصاف التاريخ. أساسا قمت بالعمل على تغيير الصورة النمطية لرئيس الجمهورية. التونسيات والتونسيون لن ينسوا ذلك. وقد عملت كما قلت بأقصى ما لدي لبناء المؤسسات وإرساء الدستور.
هم الآن يحاولون إنهاء أسس الدولة الديمقراطية التي ساهمت في إرسائها. أهم شيء بالنسبة إلي هو الانتصار المعنوي. لقد كنت أول رئيس عربي يعود إلى منزله وإلى حياته الطبيعية وكأن شيئا لم يكن. هذه نعمة من نعم الله. قريبا سينظر الجميع إلى النهاية السيئة المرتقبة لأمثال السيسي والأسد وجل الحكام المستبدين.
• كيف تقيمون المشهد التونسي اليوم في ظل التدابير الاستثنائية للرئيس قيس سعيد؟
هذه المرحلة الأخيرة للثورة المضادة التي بدأت بإخراج الثوريين من الحكم وأوقفت كل الإصلاحات التي جاءت بها الثورة. وفي آخر المطاف ما بقي من الثورة هو الدستور “الذي يلغي الحكم الفردي ويعطي السلطة لدولة المؤسسات” تم القضاء عليه.
• انطلق مؤخرا أولى جلسات الحوار الوطني الذي دعا إليه قيس سعيد تمهيدا لتنظيم استفتاء على الدستور الجديد في 25 يوليو المقبل. هل سيتمكن قيس سعيد من إجراء حوار وطني حقيقي دون إشراك الأحزاب؟
هذا حوار مزيف. لأن الحوار الوطني الحقيقي هو الذي بدأ مباشرة بعد الثورة بين العلمانيين والإسلاميين أي بين الخصوم والأعداء، بينما قيس سعيد يريد إجراء حوار بين الأصدقاء فقط.
• إذا تحرك الشعب إلى الشارع هل سيبقى الجيش والأمن في حياد؟
لا أعتقد، إذا تحرك الشعب إلى الشارع سيتخلى الجيش والأمن عن دعم قيس سعيد لأن الرجل غير قادر على إدارة البلاد. هم الآن ينتظرون إشارة من الشارع للتخلص من الرجل.
• كيف تنظر إلى قرار امتناع تونس عن التصويت لقرار مجلس الأمن الدولي بخصوص تمديد عمل بعثة المينورسو في الصحراء لسنة إضافية؟
أنا دائما أقول بأن مسألة الصحراء يجب أن تحل ديبلوماسيا في إطار مغاربي ومصالحة مغاربية وعلى تونس أن تكون جزء فعال في هذه المصالحة وهذا ما حاولت أنا أن أفعله طيلة فترة رئاستي لحل مشكلة الصحراويين الذي أعتبر أنهم الخاسر الأكبر في هذه المعركة.
• تونس كان ينظر إليها بأنها هي النموذج في المنطقة، لماذا فشلت التجربة التونسية في حماية نفسها؟ أم لا زال هناك تغيير في المستقبل؟
التجربة التونسية لم تفشل وإنما أفشلت بالمال الفاسد والإعلام الفاسد والعمليات الإرهابية… إلخ. هناك قرار إقليمي ودولي بإفشال كل ثورات الربيع العربي. لكن ما دام هناك الفقر والبطالة والظلم فالربيع العربي لا زال مستمر.
• ماهي رسالتك إلى الشعب التونسي والقوى السياسية؟
يجب أن يخرج الشعب من حالة اليأس والإحباط لأن التاريخ ما زال أمامنا لإسقاط الانقلاب. لكن السيناريو الذي أدعو إليه هو تدخل الجيش، والأمن، ووضع المنقلب في حالة إيقاف، وإحالته إلى المحاكمة العادلة والعلنية ثم دعوة البرلمان للانعقاد لتسمية رئيس مؤقت، وتنظيم انتخابات رئاسية وتشريعية وفق الدستور. وبعدها تتشكل الحكومة.
• أعلنت سيدي في نونبر عام 2019 أي بعد الانتخابات الرئاسية اعتزالك للحياة السياسية. في ظل الظروف الحالية التي تمر منها تونس هل من الممكن التراجع عن هذا القرار؟
عندما أعلنت اعتزالي للحياة السياسية، قلت لن أعود إلى أي عمل سياسي إلا في حالة عودة الدكتاتورية، لأنني لم أكن أتوقع أن قيس سعيد سينقلب عن القرارات التي كان يدافع عنها خلال حملته الانتخابية. ولذلك لا خيار لي الآن غير العودة إلى العمل السياسي من أجل إسقاط الانقلاب.
• متى ستعود إلى تونس؟
حالما يقرر أصدقائي على الأرض وأيا كانت الظروف.
“ولا بد لليل أن ينجلي”.