تحليلات استراتيجية

إنتريجونال للتحليلات الإستراتيجية : دول المحيطين الهندي والهادئ من أولويات واشنطن

لوسات أنفو: خديجة بنيس

أفاد مركز إنترريجونال للتحليلات الإستراتيجية أن الولايات المتحدة أعادت ترتيب أولوياتها الخارجية خلال السنوات الأخيرة، وأعادت ترتيب أهمية مناطق العالم المختلفة بالنسبة إليها وإلى أمنها القومي، واضعةً الصعود الصيني المتنامي في عين الاعتبار، وهو ما دفعها إلى التركيز بدرجة أكبر على منطقة المحيطين الهندي والهادئ، والاهتمام بدرجة أكبر بالجزر الكائنة في تلك المنطقة، إيماناً منها بأهمية تلك الجزر مستقبلاً إذا نشبت أي حرب بينها وبين الصين، وإدراكاً لمدى تأثيرها على أمن التجارة العالمية، وهو الأمر الذي تتفق عليه الإدارات الأمريكية المختلفة، سواء كانت جمهورية أو ديمقراطية.

  وأضاف المركز أن الولايات المتحدة تسعى  حثيثاً لتسريع خطوات تعميق العلاقات مع دول جزر المحيط الهادئ؛ فخلال فترة وجيزة، وقعت الإدارة الأمريكية على عدد من الاتفاقيات مع دول المنطقة، تتضمن تعزيز التعاون، وتقديم المساعدات المادية والمعنوية، فضلاً عن افتتاح المزيد من السفارات الأمريكية، وتكثيف زيارات المسؤولين الأمريكيين إلى المنطقة اخرها الزيارة التاريخية لوزير الدفاع الأمريكي “لويد أوستن” إلى غينيا بابوا الجديدة .

   ويشير تقرير إنترريجونال أن الجزر التي تهتم بها واشنطن جزر صغيرة من حيث المساحة والكثافة السكانية، إلا أن إدارة بايدن تؤكد أن تلك الدول أو الجزر تمثل أهمية حيوية بالنسبة إليها.في إطار التنافس المحموم مع الصين داخل منطقة المحيطين الهندي والهادئ، وسعي الولايات المتحدة الأمريكية إلى البحث عن موطئ قدم لها في المنطقة  لتعزيز وجودها وحماية مصالحها هناك.

 وفي السياق أطلقت أول استراتيجية للشراكة الأمريكية مع تلك الدول الهدف منها تأسيس شراكة قوية بين جزر المحيط الهادئ والولايات المتحدة، وتعزيز ارتباطها ككيان موحد بالعالم، وقدرة منطقة جزر المحيط الهادئ على الصمود ومواجهة أزمة تغير المناخ وتحديات القرن الحادي والعشرين الأخرى، وأخيرًا تمكين المنطقة بالكامل من الاستفادة من فرص القرن الحالي، والالتزام الأمريكي بزيادة التجارة والاستثمار مع جزر المحيط الهادئ.

     و في إطار الجهود الاستراتيجية التي تتخذها إدارة الرئيس جو بايدن لمواجهة الصعود الصيني وتزايد نفوذ وحضوربكين اقتصادياوعسكريا في منطقة المحيطين الهندي والهادئ.أبرز التقريرعمل الولايات المتحدة على تعزيز التعاون مع حلفائها الآسيويين وذلكبإعادة تقوية التحالف الرباعي (الكواد)، الذي يضم الولايات المتحدة والهند وأستراليا واليابان، وكذلك اتفاقية أوكوس بين الولايات المتحدة وبريطانيا وأستراليا، وقمة الولايات المتحدة ورابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) في مايو الماضي.

  وضعت الولايات المتحدة أولى لبناتها في بناء علاقات متينة مع دول المحيطين  الهادئ والهندي، بعدما وقع الطرفين العديد من اتفاقيات التعاون ، بما في ذلك الإتفاق الأمني الذي تم توقيعه في مايو بين وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن ورئيس وزراء بابوا غينيا الجديدة جيمس ماربي الذي بموجبه ستقدم واشنطن التدريبات والتمويل لجيش بابوا غينيا الجديدة؛ لمساعدتها على الاستجابة لمختلف التهديدات المحيطة بالدولة. وهناك تكهنات حول أن الإتفاقية ستسمح للقوات الأمريكية بـ”الوصول المشروط” إلى الموانئ والقواعد والمطارات داخل البلاد.

  كما أنه بموجب هذه الإتفاقيات سيسمح لمواطني تلك الدول بسهولة دخول الولايات المتحدة، للعمل أو الإقامة، كما سيجعل واشنطن تدعم ميزانيات تلك لدول، لكنه في المقابل سيساعدها في تمديد نفوذها في منطقة المحيط الهادئ.

   وقد أعلنت الولايات المتحدة في قمة مع دول المنطقة عن صندوق جديد لتقديم المساعدات لجزر المحيط الهادئ بقيمة 810 ملايين دولار، منها 600 مليون دولار ستُخصَّص على مدار فترة قدرها عشر سنوات لتنقية المياه الملوثة، في سبيل تسهيل عمليات صيد سمك التونة؛ هذا فضلاً عن الدعم الذي سيقدم لدفع البلاد لتحقيق النمو والتنمية؛ فعلى سبيل المثال، تم الإعلان عن 20 مليون دولار لدعم قطاع السياحة في دولة جزر سليمان، والبحث عن حلول أخرى بدلاً من ممارسة نشاط قطع الأشجار.

ولترسيخ الحضور الأمريكي في المنطقة، عينت واشنطن للمرة الأولى سفيراً في منتدى جزر المحيط الهادئ، وهو منظمة تضم نحو 18 عضواً من الأقاليم والدول. ، كما تم الإعلان عن عزم واشنطن الاعتراف بسيادة جزيرتي كوك ونييوي، اللتين على الرغم من صغر كثافتهما السكانية التي لا تتجاوز 20 ألف نسمة، فإنهما تمثلان أهمية اقتصادية نوعية في تلك المنطقة.

وعلى صعيد آخرأعادت الولايات المتحدة افتتاح سفارتها في جزر سليمان، وأعلن وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن أن هذه الخطوة تؤكد “التزامنا تجاه شعب جزر سليمان”. وتم افتتاح سفارتَين جديدتَين في جزيرتي كيريباتي وتونجا؛ ما من شأنه أن يسمح بوجود أمريكي أكبر على المستوى الدبلوماسي.

   هذا وتعهدت واشنطن بمساعدة تلك الدول على التصدي للتهديدات التي يفرضها التغير المناخي، كما أعلنت واشنطن عن مساعدات مالية بقيمة 130 مليون دولار لدفع دول المنطقة للاستعداد لتبعات الكوارث الطبيعية الناجمة عن التغيرات المناخية، في ظل التهديد بالغرق تحت المياه من جراء ارتفع مستويات المياه على المدى الطويل لعدد من جزر المنطقة.

وقال الرئيس بايدن في أول قمة بين واشنطن ودول جزر المحيط الهادئ نهاية 2022: “إن جزر المحيط الهادئ تمثل صوتاً حيويّاً في تعزيز مستقبلنا”، فقد أصبحت واشنطن مدركة أهمية الصعود الصيني وتزايد نفوذ وحضور بكين اقتصاديّاً وعسكريّاً في منطقة المحيطين الهندي والهادئ والذي من شأنه التأثير على مصالح واشنطن.

   وأكد المصدر ذاته أن تحرك الولايات المتحدة الأمريكية صوب منطقة المحيط الهادئ لم يكن من  محض الصدفة، بل جاء بناءً على تبدل في الرؤى الأمريكية منذ فترة الرئيس الأسبق باراك أوباما؛ حيث بدأت واشنطن تنظر باهتمام أكبر إلى تحركات الصين في المنطقة ، وبناء على ذلك  تعمل جاهدة على تعزيز التموضع الديبلوماسي والإقتصادي  وفقاً لكونها قوى عظمىتسعى لتوسيع دائرة علاقتها مع دول المنطقة، لمنع الصين من بسط نفوذها على كافة أنحاء المنطقة.

وقد أوضحت  واشطن تخوفها من التواجد الصيني في المنطقة مشيرة أن ذلك من شأنه أن يهدد بتقويض السلام والازدهار والأمن في المنطقة، ومن ثم يهدد بتقويض الولايات المتحدة.

    وتعبترمنطقة المحيطين الهندي والهادئ من النقاط الساخنة التي تمر منها التجارة العالمية؛ ماجعلها تستأثر اهتمام قوتين عالمتين كالصين والولايات المتحدة الأمريكية؛ فكلتا الدولتين تنظر إلى الأخرى بترقب.خاصة وأن أي  اضطراب في تلك المنطقة كفيل بأن يتسبب في اضطرابات بالتجارة العالمية وبسلاسل الإمداد العالمية. وإذا سيطرت الصين على تلك المنطقة ودخلت في حرب مع واشنطن، فإنها ستكون قادرة على وقف أي سفن تمر عبر المنطقة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى