الحدث

إقليم الحوز: الموت و الألم في كل مكان

ما ترتب عن ليلة الجمعة من دمار بإقليم الحوز، يفوق قدرات اللغة في الوصف. طعم الموت و الألم ينتشر في كل مكان. الناس المعزولون في الدواوير المنكوبة التي لم تصلها بعد فرق الإنقاذ، يواجهون أسئلة المصير و يقاومون من أجل فرصة للبقاء في ظروف صعبة.

كانت قوة الزلزال كافية للتنبؤ بحالة  المناطق القريبة من  مركزه. بل إن المعلومات الأولية القادمة من هذه المناطق كانت تفيد بأن الوضع يفوق ما يمكن أن يستوعبه مفهوم الكارثة من معاني. جندت فورا الوسائل اللازمة للتدخل، ورصد أسطول كبير من سيارات الإسعاف، التي تعززت بخدمات سيارات الإسعاف الخاصة، إضافة إلى عدد كبير من سيارات نقل الموتى. لكن المهمة كانت جد معقدة. ف 90 بالمائة من إقليم الحوز مناطق جبلية، و المناطق المعنية هي قرى معلقة في الجبال  و دواوير متفرقة على مسافات كبيرة، و المسالك المؤدية إليها في الأيام العادية جد وعرة، فما بالك في ظروف كارثة ليلية. لكن المشكل الذي واجه عمليات الإنقاذ   التي تعبأت لها مختلف المصالح من درك و قوات مساعدة و وقاية مدنية و سلطة محلية، تأتى بالدرجة الأولى  من كون الجبال لحظة وقوع الزلزال لفظت عنها كما هائلا من الصخور الضخمة و الأشجار و التربة التي تزاحمت على طول الطريق. فكان لزاما التصدي أولا لهذه المهمة، و هو ما أبطأ وصول الفرق المعنية إلى عدد من المناطق المنكوبة. و أكثر من ذلك فكثير من الدواوير المعنية بهذا الدمار توجد في أماكن المسالك الموصلة إليها جد صعبة، و يستحيل التدخل فيها ليلا. و في هذه الأثناء كانت مروحيات الدرك تواصل جولاتها لتحديد المناطق التي تفاقمت فيها الأضرار.

كانت نتيجة التدخلات مفعمة بكثير من الألم لأنها تفضي إلى إضافة أعداد مهمة من الضحايا الذين فارقوا الحياة تحت أنقاض المباني المتصدعة، و المصابين الذي يوجدون بين الحياة و الموت، و كانت مواكب سيارات الإسعاف و سيارات نقل الموتى تتنقل جيئة و ذهابا بين إقليم الحوز و مراكش. و مع كل رحلة تزداد أرقام الموتى و الجرحى انتفاخا.

في صباح السبت كان الطريق بين مراكش واقعا تحت سيطرة صوت واحد هو صافرات سيارات نقل الموتى و سيارات الإسعاف، و توافد شاحنات القوات المسلحة الملكية مصحوبة بدعم لوجيستي. و بمجرد ما تبتعد قليلا عن مركز تحناوت، تبدأ ملامح هول الكارثة في الإعلان عن نفسها بقساوة مؤلمة. هناك صادفنا تجمعات بشرية تطل على الضفة الأخرى حيث معالم مشوهة لدوار إيموزار، اغلب دوره وقعت فريسة أجزاء من الجبل الذي انقض عليها، و غمرها بصخوره الضخمة و كميات هائلة من التربة، مخلفا أجزاء متصدعة، مفتتة من بقايا ما كان مساكن للمواطنين. و النتيجة الكثير من الموت.

بتقدمنا قليلا، كانت المظاهر المفزعة لما حدث ليلة الجمعة واضحة: صخور ضخمة تعترض الطريق، اشجار مقتلعة، انزلاقات للتربة، تشققات في الطريق. و كانت هذه العلامات كافية لتنذر بفظاعة ما وقع. و في قرية مولاي ابراهيم، كان وجوم الوجوه  يفضح درجة الحزن الشديد التي تخيم على النفوس، تجمعات للنساء و الرجال الذين فقدوا مساكنهم يجلسون في العراء تحت اشعة الشمس مستسلمين في يأس، جمعيات توزع مساعدات بسيطة للمنكوبين لكنها ذات قيمة في هذه الظروف، كقناني الماء و اليغورت و علب البسكوي، من حين لآخر تتوقف سيارة لأحد المتطوعين مملوءة بالأغطية و الأفرشة، يوزعها على السكان الذين يشاهدون في ذهول ما يحدث. في هذه المنطقة كانت المشاهد ذاتها تتكرر منازل إسمنتية و طينية متصدعة، بعضها منحن، و بعضها تداخلت طوابقه. الحصيلة جد مؤلمة: 19 قتيلا، و التنقيب مازال جاريا.

سألنا أحد سكان القرية عن العامل المفسر لكثرة الضحايا، فكان رده ” بالطبع الزلزال كان قويا، و الدور جد هشة، لكن هناك عامل آخر. هو أن هذه المناطق مختلفة عن الحواضر، في المدينة ينام الناس متأخرين، لذلك تكون فرصتهم للهرب أوفر، لكن في القرية فالناس ينامون مبكرا، لذلك عندما وقعت الكارثة فاجأت الكثيرين في فراشهم نياما، لم يكن هناك سبيل للإفلات من قدرهم..”

أشار علينا أحد المواطنين زيارة دوار تنصغارت بمنطقة أسني. الطريق إليه يكرر نفس المشاهد من انهيار أجزاء من الجبل، و تصدع المباني، و تفتت بعضها كليا. عندما وصلنا كان رجال الدوار منهمكين في دفن موتاهم، 10 قتلى. حزن شديد في كل خطوة، أسر في العراء، يأس و ألم.

يبدو إقليم الحوز في كثير من مناطقه كما لو كان مرآة تعكس نفسها، المشاهد ذاتها تعاود الظهور في مختلف المناطق بإيجوكاك، و ثلاث نيعقوب، و أغبار و مولاي ابراهيم و أسني و بالطبع إيغيل مركز الكارثة … مشاهد الموت و الحزن و الخراب.

كم يكفي من الوقت لساكنة هذه المناطق لطي صفحة ليلة الجمعة الذي فاجأ الجميع بطعمه الثقيل، إذ لم يكن مجرد يوم و إنما جرحا في الذاكرة… جرح لمن فقدوا أحبابهم في لحظة سريعة اختارت فيها الأرض أن تقلب نفسها، لكن آثارها منقوشة في الروح و الجسد، و جرح لمن عاش رعب ما سيحدث، متسائلا هل ستظل الحياة دائما حليفه، و جرح الألم الذي انفتح في قلوب كل المغاربة متضامنين من أجل الأمل ..

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى