أوبنهايمر : الآن أصبحت الموت، أصبحت محطم العوالم
الأحمق يبحث عن السعادة في الاماكن البعيدة ، أما الحكيم فيزرعها تحت قدميه
لوسات أنفو :محسن برهمي
قد تعتقد عزيزي القارئ أنه إن لم تكن تفقه في السياسة شيئا ،فإنك غير معني بفيلم كريستوفر نولان الجديد “أوبنهايمر” الذي بدأ عرضه في صالات السينما مساء يوم أمس ، لكن هذا الإسم وحده كفيل بأن يجعلك قلقا على نفسك. قبل الدخول في غمار هذا الوثائقي أو السيرة الذاتية، دعونا أولا أن نتذكر من هو أوبنهايمر.
أب الذرية :
كان روبرت أوبنهايمر خجولا ويميل إلى العزلة من عائلة المهاجرين الألمان الأثرياء، جاءت أواخر القرن الـ19 إلى نيويورك حيث ولد في 22 أبريل عام 1904، تلقى دراسة متميزة في مدارس الطبقات الأميركية الراقية.. لم تكن دراسة الفيزياء من أولوياته، فغاص في اختصاصات عدة، بينها الأدب الإنجليزي والفرنسي والكيمياء والفلسفة اليونانية والهندوسية، ليستقر لاحقا في دراسة الفيزياء النووية التي قادته ليصبح “المكافئ الموضوعي للموت.. مدمر العوالم”، حسب تعبيره.
تزوج أوبنهايمر عام 1940 بزميلته كاترين كيتي بيونينغ، وعرف لاحقا أنها كانت مقيدة في سجلات مكتب التحقيقات الفدرالي، كونها ذات توجهات يسارية شيوعية، وهي التهمة التي لم يسلم منها أوبنهايمر نفسه، وجعلته ملاحقا لسنوات قبل أن يطرد من جميع وظائفه.
كانت منطقة لوس ألاموس التي تقع في ولاية نيو مكسيكو؛ هي التي شهدت معظم أعمال «مشروع مانهاتن»،وقد بدأت أمريكا في هذا المشروع، خوفًا من أن تسبقها إليه ألمانيا وتنجح في تطوير سلاح قائم على التكنولوجيا النووية يساعدها على الانتصار في الحرب.«مشروع مانهاتن»، كان أوبنهايمر مديرًا لمختبر لوس ألاموس ومسؤولًا عن الأبحاث الخاصة بتصميم القنبلة النووية وتنفيذها على أرض الواقع،
منذ عام 1942، أشرف أوبنهايمر -الرجل الذي لا يستطيع إدارة محل همبرغر على حد قول الجنرال ليزلي غروفز ونفّذ تجربة ترينيتي “trinity” (الثالوث)، أول تفجير نووي في التاريخ يوم 16 يوليو 1945، ثم إلقاء بلاده قنبلتي “الولد الصغير” و”الرجل البدين” الذريتين على مدينتي هيروشيما وناغازاكي اليابانيتين يومي السادس والتاسع من غشت 1945.
تحفة فنية:
المتتبع لأفلام المخرج نولان لن يتفاجئ بجودة وكمية التنقل والتداخل بين الأزمنة والأمكنة كفيلم tenet و Memento ، فكل مخرج له علامته الخاصة. كما هو الأمر للمخرج هيتشكوك الذي تميز بالتشويق والغموض . في فيلم أوبنهايمر المقتبس من كتاب السيرة الذاتية الحاصل على جائزة «بوليتزر» المرموقة بروميثيوس الأمريكي الذي ألفه الكاتبان كاي بيرد ومارتن ج. شيروين يمتد لثلاث ساعات يتنقل المخرج بين أزمنة حددها في ثلاث مسارات لأوبنهايمر الذي يلعب دوره الممثل كيليان مورفي ، الذي أبدع طوال القصة.
الفيلم خال من المؤثرات البصرية ، إذ أن كل الانفجارات التي ظهرت هي انفجارات حقيقية. اضافة الى هوس نولان بتقنيات التصوير لخدمة رؤيته لذلك استخدم كاميرات imax للحصول على لقطات مقربة وتوفر هذه الكاميرات دقة تسجيل مذهلة. تصل الدقة الأفقية إلى 18,000 بكسل، مما يعني أنها تستطيع تسجيل تفاصيل دقيقة جدًا. وهذا يترجم إلى صورة واضحة جدًا وحادة تحتوي على تفاصيل دقيقة وعميقة.، يقول المصور السينمائي Hoy Te van Hoytema “لا يمكنك أبدًا وضع الكاميرا الخاصة بك أقرب ما تريد من موضوعك من أجل الحصول على الصورة المقربة”. “لذلك بدأنا في بناء العدسات التي منحتنا تلك الإمكانية التقنية للاقتراب كثيرًا.” وهذه أبرز ما تتمتع به هذه التقنية :
بالانتقال إلى السيناريو فهنا نولان ارتكب خطأ وهو عدم التعمق في الشخصيات وعدم الإحاطة بها تاريخيا أو نرى مراحل تطورها. الفيلم يتحدث عن مشروع مانهاتن وهذه معلومات تاريخية يجب على أي شخص ان يعرفها لكن رغم هذا يجب تقديمها وتعريفها وتقديم نبذة عن حياتها لأن القصة تتحدث عن مجموعة من الشخصيات السياسية المحورية والمؤثرة في التاريخ.
“بعض الناس الذين شاهدوا فيلمي “أوبنهايمر” غادروا صالة السينما وهم محطمين تماماً، ولم يستطيعوا الكلام، وذلك بسبب الخوف الموجود في التاريخ وفي كل شيء حولنا. لكن حب الشخصيات والإعجاب بالعلاقات التي بينها كان قوياً” يقول كريستوفر نولان. وعبر كاتب سيناريو taxi driver بول شرايدر عبر تغريدة على الفايسبوك مرفقة بصورة مع المخرج نولان كاتبا “أوبنهايمر أفضل وأهم فيلم في هذا القرن. إذا شاهدت فيلمًا واحدًا في دور السينما هذا العام ، فينبغي أن يكون أوبنهايمر. أنا لست من جماعة نولان، ولكن هذا الشخص ستنخلع أبواب الصالات من شدة الإقبال على فيلمه “.
المخرج نولان ليس من النوع الذي يريد أن يفتح صراعا مع السلطة الأمريكية عبر تسليط الضوء على مثل هذه القضايا ، نولان تجمعه علاقة حميمية مع مشاهديه ومع حبه الأبدي للسينما تجعله يبحث أكثر عن قصص تستحق أن تخرج للوجود.